الفصل الخامس الآية الثامنة
﴿فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (٢٢)﴾ [النمل: ٢٢].
﴿مكث﴾ أقام. وقرأ عاصم بفتح الكاف.
﴿غير﴾ صفة زمان محذوف فالتقدير زماناً غير بعيد.
فاعل (مكث) هو الهدهد مثل فاعل قال الآتي.
﴿أحطت﴾، الإحاطة بالشيء، عقلياً هي العلم به من جميع نواحيه.
﴿سبأ﴾ اسم مدينة باليمن، سميت باسم سبأ جد العرب اليمانية حمير وغيرها، وصرفه الجمهور على اعتبار المكان، ومنه من الصرف المكي والبصري على اعتبار البلدة (١).
﴿بنبأ﴾ النبأ الخبر الذي له شأن وخطورة. و (اليقين) المحقق؛ جعله نفس اليقين مبالغة في تحققه.
وفي الكلام إيجاز بالحذف إذ المعنى: فجاء الهدهد فسأله سليمان عليه السلام عن سبب مغيبه فقال:...
المعنى:
لم تطل غيبة الهدهد عن مركزه في جنود سليمان، فلم يلبث في غيبته إلاّ زماناً قصيراً، وكان سؤال سليمان عن غيبته فور رجوعه، فأسرع بالجواب والاعتذار عن الغيبة، والدفاع عن نفسه، فقال: اطلعت على شيء لم تطلع أنت عليه، وعرفته من جميع نواحيه، وقد أتيتك من بلدة سبأ بخبر خطير، ذي شأن عظيم تيقنته غاية اليقين.
توجيه واستنباط:
كان في جواب الهدهد حجة بينة لسبب غيابه، وذلك لأنه لم يذهب عابثاً، ولا لغرض خاص به، وإنما ذهب مستطلعاً مكتشفاً، فحصَّل علماً، وجاء بخبر عظيم في زمن قصير، فرجحت هذه الفوائد العظيمة بتركه لمركزه في الجند فسقطت عنه المؤاخذة.
فإن قيل: إن أصل مفارقته لمركزه دون استئذان كان مخالفة يستوجب عليها العقوبة؟