المرسل والرسالة والرسول والمرسل إليهم
﴿يس (١)﴾ (فاتحة سورة يس)
تمهيد:
مثل هذا اللفظ مما افتتحت به بعض سور القرآن للعلماء فيه طريقتان:
الطريقة الأولى:
أنه لفظ له معنى يعلمه الله، فهو من المتشابه الذي لا يعلمه الراسخون، وإنما يؤمنون به، ويردون علمه إلى عالمه.
سؤال وجوابه:
القرآن أنزل للبيان، ولا بيان إلاّ بالإفهام، فكيف يكون في القرآن لفظ لا يُفهم له معنى؛ والجواب: أن عدم فهم معنى من بضع عشرة كلمة افتتحت بها بعض السور، لا يخل ببيان القرآن، لما أنزل لبيانه من عقائد وآداب وأحكام وغيرها من مقاصد القرآن.
توجيه وتنظير:
إن الله تعالى أعطانا العقل، الذي به ندرك الآيات التي نصبها لنا؛ لنستدل بها على وجوده ووحدانيته وقدرته، وعلمه وحكمته، ولطفه ورحمته.
وبالنظر في هذه الآيات نصل- بتيسير الله- بعقولنا إلى إدراك بدائع عجيبة، وأسرار غريبة، ما تزال تتجلى لنا ما دمنا نتأمل فيها، ونعتبر بها.
وما يزال الإنسان يكتشف منها حقائق مضت عليها أزمان، وهو يعدّها من المحال، ويجتني منها فوائد ما كانت تخطر له- في أحقابه الماضية- على بال.
غير أن استجلاء هذه الحقائق، واستحصال هذه الفوائد من الآيات الكونية- على نفاستها وعظيم نفعها- محفوف بخطر الإعجاب بذلك العقل؛ حتى يحسب أنه محيط بالحقائق كلها، وأن مدركاتها يقينيات بأسرها.
فيؤديه حسبانه الأول (١) إلى الفتنة بالمدركات، فيحسب أن لا شيء بعدها فقد يخرج إلى إنكار خالقها.
ويؤديه حسبانه الثاني (٢) إلى الذهاب في ظنونه وأوهامه وفرضياته، إلى غايات لا نسب بين اليقين وبينها.
(٢) أي أن مدركاتها يقينيات بأسرها.