وقد اشتملت هذه الآيات على هذه الأربعة في حق الأمة المحمدية:
فالمرسِل هو ﴿الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾.
والرسالة هي: ﴿الْقُرْآنِ الْحَكِيمِ﴾.
والرسول هو محمد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المخاطب بـ ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾.
والمرسل إليهم هم العرب الذين: ﴿مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ﴾.
...
تمهيد:
لما ضل الخلق عن طريق الحق والكمال، الذي يوصلهم إليه: إلى مرضاته والفوز بما لديه، أرسل إليهم الرسل ليعرفوهم بأن ذلك الطريق هو الإسلام، ويكونوا أدلتهم في السير، وقادتهم إلى الغاية، وأنزل عليهم الكتب لينيروا لهم بها الطريق، ويقودوهم على بصيرة، ويزكوهم على البيضاء ليلها كنهارها (١)، لا يهلك عليها إلاّ من ظلم نفسه فحاد عن السواء، أو تخلف عن القافلة فكان من الهالكين.
فالقافلة هم الخلق، والطريق هو الإسلام، والأدلة هم الرسل، والمصابيح هي الكتب، والغاية هو الله جل جلاله.
السلوك:
فعلى من يريد النجاة من المهالك والفوز بأسنى المطالب وأعلى المراتب، أن ينضم إلى القافلة الربانية، يتعاون مع أفرادها، ويقوم بحق الرفقة فيها، ويعدّ نفسه جزءاً منها: لا سلامة له (٢) إلاّ بسلامتها؛ فهو يحب لكل واحد منها ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لها، ويهديه إلى ما يهديها إليه من خير؛ ويقيه مما يقيها منه من سوء.
وأن يطيع أولئك الأدلة، ويقتفي آثارهم، وينزل بنزولهم، ويرتحل بارتحالهم، وأن يرجع في معرفة وجوه السير وأصنافه وأوقاته ومنازله إليهم، دون أدنى اعتراض ولا مخالفة.
ويقابل ما يتحملونه من مشاق الدلالة ومتاعب القيادة بغاية ما يستطيع من الأدب معهم، والتعظيم والانقياد لهم، والمحبة فيهم، وحسن الثناء عليهم، وطلب عظيم الجزاء من الله تعالى لهم على عظيم إحسانهم.
وأن يلزم ذلك الطريق، ويسير في سوائه غير مائل إلى جنباته، ولا ذاهب في بنيَّاته (٣).
(٢) كانت في الأصل المطبوع: "لها" والصواب ما أثبتناه.
(٣) بُنَيَّة الطريق: طريق صغير تشعب من الجادة (المعجم الوسيط: [ص: ٧٢]).