سبب الغفلة ودواؤها:
أفادت الفاء في قوله تعالى: ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ أن غفلتهم تسببت عن عدم إنذارهم؛ فكل أمة انقطع عنها الإنذار وترك فيها التذكير واقعة في الغفلة لا محالة. ولما كان ترك الإنذار والتذكير موقعاً في الغفلة، فالإنذار والتذكير يزيلانها؛ فقد عرفتنا الآية الكريمة بسبب الغفلة وبعلاجها لنحذر سببها ونعالج أنفسنا وغيرنا بعلاجها.
تطبيق:
كان الناس منذ زمن قريب لا يسمعون ولا يسمع منهم لفظ الاهتداء بهداية القرآن العظيم، والإقتداء بهدي الرسول الكريم، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، والسير بسيرة السلف الصالح، في النهوض بأعباء الدنيا والدين، وهم- إلاّ قليلاً- عن هذا غافلون.
أما اليوم بعد أن نهض العلماء المصلحون بواجبهم (١)، ونشروا دعوة الحق في قومهم، فقد أصبح ذلك معروفاً عند أكثر الناس، وفي متناول الناس بجميع طبقاتهم.
وإنا لنرجو من فضل الله المزيد، ونشاهد ذلك والحمد لله كل يوم يزيد، فالحمد لله على ما علّم وألهم وبصر ويسّر، ونسأله دوام التوفيق والتسديد يا رب العالمين.
...
لا يؤمن من سبق في علم الله عدم إيمانه
﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)﴾ [يس: ٧ - ١١].
علم الله أن نبيه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يقوم بالنذارة لقومه ويبذل غاية جهده في تنبيههم من الغفلة، وإنقاذهم من الهلكة.
وعلم أنهم لا يؤمن به إلاّ أقلهم، وعلم أن ذلك يكون من أعظم ما يؤلم النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لشدة حرصه على إيمانهم، وعظيم شفقته عليهم، ولعدم ظهور ثمرة ما بذله من جهد في هدايتهم.
فأراد- تعالى- أن يقوي قلب نبيه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- على تحمل ذلك بإعلامه به

(١) يشير إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أنشأها ابن باديس (حاشية المطبوع: [ص: ٤٩٤]).


الصفحة التالية
Icon