و (الأثر) ما يحصل من العمل، كالذي يحصل على وجه التراب من وضع الأقدام ويبقي بعد رفعها الإنسان ما يحصل من أعماله التي باشرها.
عبر بـ ﴿نَكْتُبُ﴾ مضارعاً ليفيد التجدد والاستمرار، فما من عمل أو أثر يتجدد إلاّ ويكتب.
وأسند الكتابة إليه، والكاتبون الملائكة، لأنهم بأمره يكتبون.
المعنى:
يعلم الله- تعالى- عباده بأنه يكتب كل أعمالهم التي يعملونها ويباشرونها بأنفسهم.
ويكتب كذلك ما يعمله غيرهم، إذا كان متسبباً عن أعمالهم وأثراً لها.
تنظير:
مثل هذه الآية- في الدلالة على أن العبد مؤاخذ بما عمل مباشرة، وما عمله غيره، وكان من آثار عمله- قوله تعالى:
﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [القيامة: ١٣]. فالذي أخره، هو أثره المذكور في (١) هذه الآية.
تأييد وبيان:
في صحيح مسلم من طريق جابر (٢) بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: جاء ناس من الأعراب إلى رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عليهم الصوف، فرأى سوء حالهم قد أصابتهم حبة، فحث الناس على الصدقة فأبطأوا عنه؛ حتى رؤي ذلك في وجهه..
قال: ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرة من ورق، ثم جاء آخر، ثم تتابعوا حتى عُرف السرور في وجهه، فقال رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
«من سن في الإسلام سنّة حسنة فعُمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء. ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعُمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء» (٣).
وفيه من طريق أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه رآله وسلم- قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.

(١) لفظة "في" ساقطة من الأصل المطبوع.
(٢) كذا في الأصل المطبوع، وهو خطأ. والصواب "جرير". انظر المراجع المذكورة في الحاشية التالية.
(٣) رواه مسلم في العلم حديث ١٥، والزكاة حديث ٦٩ و٧٠. والنسائي في الزكاة باب ٦٤. وابن ماجة في المقدمة باب ١٤. والدارمي في المقدمة باب ٤٤. وأحمد في المسند (٤/ ٣٥٩، ٣٦٠، ٣٦٢).


الصفحة التالية
Icon