ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً» (١).
فتأيد بهذين الحديثين فهم المعنى المتقدم من الآية، وهو أن العبد له وعليه من آثار أعماله مما لم يباشره بنفسه، مثل ما له وما عليه من أعماله التي يباشرها.
وبيَّن الحديث الأول: أن ما تسبب عن عمل المرء يعد أثراً لعمله عندما يعمل به في حياته مثلما يعمل به بعد مماته، إذ الذي جاء بالصرة أولاً قد تسبب في مجيئه مجيء من بعده على إثره، والحديث سيق في شأنهم؛ فتكون حالتهم أول ما يشمل.
كما بين الحديث الثاني: أن أثر القول كأثر الفعل، إذ الكل عمل.
وبين الحديثان: أن نيل المرء جزاء عمله الذي لم يباشره لا ينقص من جزاء العامل المباشر شيئا.
تنبيه:
من صورة الواقعة التي ورد فيها الحديث الأول علمنا: أن المراد بمن سن سنة حسنة أو سيئة، هو من ابتدأ طريقاً من الخير في أعمال البر والإحسان، وما ينتفع به الناس من شئون الحياة. ولا يشمل ذلك ما يحدثه المحدثون من البدع في العبادات من الزيادات والاختراعات، إذ الزيادة على ما وضعه الشرع من العبادات وحدده افتيات (٢) عليه واستنقاص له؛ وهذه هي البدعة التي قال فيها النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- «كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار» (٣).
تحذير:
على العاقل- وقد علم أنه محاسب على أفعاله وعلى آثار أقواله- ألاّ يفعل فعلاً ولا يقول قولاً حتى ينظر في عواقبه، فقد تكون تلك العواقب أضر عليه من أصل القول وأصل الفعل؛ فقد يقول القول مرة، ويفعل الفعل مرة، ثم يقتدي به فيه آلاف عديدة في أزمنة متطاولة.
حقاً إن هذا لشيء تنخلع منه القلوب، وترتعد منه الفرائص، وصدق القائل من السلف رضي الله عنهم: "السعيد من ماتت معه سيئاته".

(١) أخرجه مسلم في العلم حديث ١٦، والذكر حديث ١. وأبو داود في السنة باب ٦. والترمذي في العلم باب ١٥، وثواب القرآن باب ١٤. وابن ماجة في المقدمة باب ١٤. والدارمي في فضائل القرآن باب ١.
(٢) افْتَات في الأمر: استبدَّ به ولم يستثر من له الرأي فيه (المعجم الوسيط: [ص: ٧٠٥]).
(٣) جزء من حديث طويل أخرجه من حديث جابر بن عبد الله (من دون عبارة: «وكل ضلالة في النار») مسلم في الجمعة حديث ٤٣، وابن ماجة في المقدمة باب ٦، وأحمد في المسند (٣/ ٣١٠) ومن حديث العرباض بن سارية: أبو داود في السنة باب ٥، وابن ماجة في المقدمة باب ٧، وأحمد في المسند (٤/ ١٢٦، ١٢٧). ولفظة «وكل ضلالة في النار» لم ترد في الصحيح.


الصفحة التالية
Icon