١ - سبيل السعادة والنجاة
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)﴾ [يوسف: ١٠٨].
تمهيد:
خلق الله [تعالى]. محمداً- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أكمل الناس، وجعله قدوتهم، وفرض عليهم اتباعه والائتساء به (١)، فلا نجاة لهم من المهالك والمعاطب، ولا وصول لهم إلى السعادة في دنياهم وأخراهم، ومغفرة خالقهم ورضوانه- إلاّ باقتفاء آثاره والسير في سبيله. فلهذا أمر الله نبيه- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن يبين سبيله بياناً عاماً للناس، لتتضح المحجة للمهتدين، وتقوم الحجة على الهالكين.
أمره أن يبينها البيان الذي يصيرها مشاهدة بالعيان، ويشير إليها كما يشار إلى سائر المشاهدات، فقال له: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي﴾.
ثم بين سبيله بثلاثة أشياء: الدعوة إلى الله على بصيرة، وتنزيه الله تعالى، والبراءة من المشركين، فقال: ﴿أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
الدعوة إلى الله:
فالنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من يوم بعثه الله إلى آخر لحظة من حياته، كان يدعو الناس كلهم إلى الله، بأقواله وأفعاله وتقريراته وجميع مواقفه في سائر مشاهده.
وكانت دعوته هذه بوجوهها كلها واضحة جلية لا خفاء بها، كما قال- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: «وأيم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء» (٢)، فكانت مشاهدة معينة، كما أشير إليها في الآية إشارة المعين المشاهد.

(١) حيث قال جل وعلا: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ سورة الأحزاب: الآية ٢١.
(٢) أخرجه ابن ماجة في سننه (المقدمة، باب ١ حدبث ٥) عن أبي الدرداء قال: خرج علينا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال: «آلفقر تخافون؛ والذي نفسي بيده لتصبنً عليكم الدنيا صبًّا حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة الا هِيَهْ. وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء». وقوله: «البيضاء» أي على قلوب بيضاء نقيّة عن الميل إلى الباطل، لا يميلها عن الإقبال على الله تعالى السرّاء والضرّاء.


الصفحة التالية
Icon