جاءت في بيان كيفية الدعوة، وبماذا تؤدى؟ وكيف يدافع عنها؟ مع ذكر الداعي والمدعو إليه؛ فقال تعالى: ﴿بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
(الحكمة) هي العلم الصحيح الثابت، المثمر للعمل المتقن المبني على ذلك العلم.
فالعقائد الحقة والحقائق العلمية الراسخة في النفس رسوخاً تظهر آثاره على الأقوال والأعمال- حكمة.
والأعمال المستقيمة، والكلمات الطيبة التي أثمرتها تلك العقائد- حكمة.
والأخلاق الكريمة كالحلم والأناة- وهي علم وعمل نفسي- حكمة.
والبيان عن هذا كله بالكلام الواضح الجامع- حكمة؛ تسمية للدال باسم المدلول.
إستدلال واستنتاج:
في سورة الإسراء ثمان عشرة آية، جمعت أصول الهداية، من قوله تعالى: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾ [الإسراء: ٢٢]. الى: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا﴾ [الإسراء: ٣٩].
وقد جمعت تلك الآيات كل ما ذكرنا من العقائد الحقة، والحقائق العلمية، والأعمال المستقيمة والكلمات الطيبة، والأخلاق الكريمة.
وسمى الله ذلك كله حكمة فقال تعالى: ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ [الإسراء: ٣٩].
وقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن من الشعر حكمة» (١) وذلك لأن من الشعر ما فيه بيان عن عقيدة حق، أو خلق كريم، أو عمل صالح، أو علم وتجربة: كشعر أمية بن أبي الصلت، الذي قال فيه النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- «كاد أن يسلم» (٢).
وككلمة لبيد رضي الله عنه:* ألا كل شيء ما خلا الله باطل (٣) * التي قال فيها - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

(١) أخرجه من حديث أبي بن كعب البخاري في الأدب باب ٩٠، وأبو داود في الأدب باب ٨٧، وابن ماجة في الأدب باب ٤١ حديث ٣٧٥٥، وأحمد في المسند (٦/ ٤٥٣ و٥/ ١٢٥). وأخرجه من حديث ابن عباس الترمذي في الأدب باب ٦٩ حديث ٢٨٤٥، وابن ماجة في الأدب باب ٤١ حديث ٣٧٥٦. وأخرجه من حديث عبد الله بن مسعود الترمذي في الأدب باب ٦٩ حديث ٢٨٤٤.
(٢) رواه في حديث أبي هريرة البخاري في الأدب باب. ٩. ومسلم في الشعر حديث ١ و٣ و٤. وابن ماجة في الأدب باب ٤١. وأحمد في المسند (٢/ ٢٤٨، ٣٩١، ٣٩٣، ٤٧٠). ولفظ الحديث- كما عند البخاري- «أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل؛ وكاد أمية بن أبي الصلت أن يُسلم».
(٣) هذا صدر بيت للبيد بن ربيعة، وعجزه:
وكل نعبم لا محالة زائِلُ
وهو في ديوانه [ص: ٢٥٦]. وجواهر الأدب [ص: ٣٨٢]. وخزانة الأدب (٢/ ٢٥٥ - ٢٥٧) والدرر اللوامع على=


الصفحة التالية
Icon