الناس بقدر الأخذ بها، ويوشك أن تتجدد بذلك في المسلمين حياة إن شاء الله (١).
الموعظة الحسنة:
الوعظ والموعظة، الكلام الملين للقلب، بما فيه من ترغيب وترهيب فيحمل السامع- إذا اتعظ وقبل الوعظ، وأثر فيه- على فعل ما أمر به وترك ما نهي عنه. وقد يطلق على نفس الأمر والنهي.
الإستدلال:
ففي حديث العرباض (٢) الذي رواه الترمذي وغيره:
"وعظنا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- موعظة وجلت (٣) منها القلوب، وذرفت (٤) منها العيون" (٥) فقد خطب فيهم خطبة كان لها هذا الأثر في قلوبهم، فهذه حقيقة الموعظة.
وقال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ﴾ [النساء: ٦٦]. أي يؤمرون به. وقال تعالى: ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا﴾ [النور: ١٧]. أي ينهاكم.
فهذا من إطلاق الوعظ على الأمر والنهي؛ لأن شأن الأمر والنهي أن يقترن بما يحمل على امتثاله من الترغيب والترهيب.
بماذا تكون الموعظة:
يكون الوعظ بذكر أيام الله في الأمم الخالية، وباليوم الآخر، وما يتقدمه، وما يكون فيه من مواقف الخلق وعواقبهم، ومصيرهم إلى الجنة أو النار، وما في الجنة من نعيم، وما في النار عن عذاب أليم، وبوعد الله ووعيده، وهذه أكثر ما يكون بها الوعظ.
ويكون بغيرها كتذكير الإنسان بأحوال نفسه، ليعامل غيره بما يحب أن يعامل به، وهو من أدق فنون الوعظ وأبلغها، مثل قوله تعالى وقد نهى أن يقال لمن ألقى السلام لست مؤمنا- {كَذَلِكَ

(١) يشير الإمام إلى دعوة جمعية العلماء المسلمين التي أنشأها وقامت بواجب الدعوة إلى الله، وكان ابن باديس رئيسها حتى لحق بربه سنة ١٩٤٠ م. (حاشية المطبوع: [ص: ٥٣٦]).
(٢) هو أبو نجيح وأبو الحارث العرباض بن سارية السلمي الفزاري القرشي المتوفى بعد السبعين للهجرة. صحابي جليل من أهل الصفة. انظر ترجمته في تهذيب التهذيب (٧/ ١٧٤) وتقريب التهذيب (١٧/ ٢) وتاريخ البخاري الكبر (٧/ ٨٥) والجرح والتعدبل (٧/ ٣٩) والثقات (٣/ ٣٢١) وأسد الغابة (٤/ ١٩) وتجريد أسماء الصحابة (١/ ٣٧٨) والإصابة (٤/ ٤٨٢) والاستيعاب (١٢٣٨) وسيرة أعلام النبلاء (٣/ ٤١٩) وحلية الأولياء (٣/ ١٢) وطبقات ابن سعد (٢/ ١٦٥، ٤/ ٢٧١).
(٣) وجلت: خافت وفزعت (المعجم الوسيط: [ص: ١٠١٤]).
(٤) ذرف الدمع ذَرَفاً: سال (المعجم الوسيط: [ص: ٣١١]).
(٥) رواه الترمذي في العلم باب ١٦. وأبو داود في السنَة باب ٥. وابن ماجة في المقدمة باب ٦. والدارمي في المقدمة باب ١٦. وأحمد في المسند (٤/ ١٢٦، ١٢٧).


الصفحة التالية
Icon