وعلا صوته، واحمرت عيناه، وانتفخت أوداجه، كأنه منذر جيش يقول صبحكم، ومساكم، وكان يقصر خطبه في بلاغة وإيجاز» (١).
إهتداء واقتداء:
هدتنا الآية الكريمة بمنطوقها ومفهومها إلى أن من الموعظة ما هو حسن، وهو الذي تكون به الدعوة، ومنها ما هو ليس بحسن فيتجنب.
وبينت مواعظ القرآن، ومواعظ النبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ذلك الحسن.
فعلينا أن نلتزمه؛ لأنه هو الذي تبلغ به الموعظة غايتها، وتثمر بإذن الله ثمرتها.
وعلينا أن نجتنب كل ما خالفه مما يعدم ثمرة الموعظة كتعقيد ألفاظها؛ أو يقلبها إلى ضد المقصود منها، كذكر الأثار الواهية التي فيها أعظم الجزاء على أقل الأعمال.
تحذير:
أكثر الخطباء في الجمعات اليوم في قطرنا يخطبون الناس بخطب معقدة، مسجعة طويلة، من مخلفات الماضي، لا يراعى فيها شيء من أحوال الحاضر وأمراض السامعين، تلقى بترنم وتلحين، أو غمغمة وتمطيط، ثم كثيراً ما تختم بالأحاديث المنكرات، أو الموضوعات.
هذه حالة بدعية في شعيرة من أعظم الشعاثر الإسلامية، سد بها أهلها باباً عظيماً من الخير فتحه الإسلام، وعطلوا بها الوعظ والإرشاد وهو ركن عظيم من أركان الإسلام.
فحذار أيها المؤمن من أن تكون مثلهم إذا وقفت خطيباً في الناس.
وحذار من أن تترك طريقة القرآن والمواعظ النبوية إلى ما أحدثه المحدثون.
ورحم الله أبا الحسن- كرم الله وجهه- فقد قال: "الفقيه كل الفقيه كل الفقيه، من لم يقنِّط الناس من رحمة الله، ولم يؤمنهم من مكره، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه".
الجدال بالتي هي أحسن:
لا بد أن يجد داعية الحق معارضة من دعاة الباطل، وأن يلقى منهم مشاغبة بالتشبهات، واستطالة بالأذى والسفاهة؛ فيضطر إلى رد باطلهم وإبطال شغبهم، ودحض شبههم، وهذا هو جدالهم ومدافعتهم الذي أمر به نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بقوله: ﴿وَجَادِلْهُمْ... ﴾ (٢).
(٢) الآية ١٢٥ من سورة النحل: ﴿وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.