يساري نوراً، وتحتي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، واجعل لي نوراً" (١).
...
الهداية نوعان:
قد دل الله الخلق برسوله وبكتابه على ما فيه كمالهم وسعادتهم، ومرضاة خالقهم.
وهذه هي هداية الدلالة، وهي من فضل الله العام للناس أجمعين، وبها وبما يجده كل عاقل في نفسه من التمكن والاختيار قامت حجة الله على العبد.
ثم يسر من شاء- وهو الحكيم العدل- إلى العمل بما دل عليه من أسباب السعادة والكمال، وهذه هي دلالة التوفيق، وهي من فضل الله الخاص بمن قبلوا دلالته، وأقبلوا على ما آتاهم من عنده؛ فآمنوا برسوله والنور الذي أنزل معه، كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ﴾ [محمد: ١٧].
أما الذين أعرضوا عن ذكره وزاغوا عما دلهم عليه، فأولئك يخذلهم ويحرمهم من ذلك التيسير، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الصف: ٥].
فالمقبلون على الله القابلون لما أتاهم من عنده هدوا دلالة وتوفيقاً.
والذين أعرضوا قامت عليهم الحجة بالدلالة، وحرموا من التوفيق جزاء إعراضهم.
بماذا تكون الهداية:
كما أنعم الله على عباده بالهداية إلى ما فيه كمالهم وسعادتهم، كذلك أنعم عليهم فبين لهم ما تكون به الهداية حتى يكونوا على بينة فيما به يهتدون؛ إذ من طلب الهدى في غير ما جعله الله سبب الهدى كان على ضلال مبين فلذا بين تعالى أن هدايته لخلقه إنما تكون برسوله وكتابه، فيتمسك بها من يريد الهدى، وليحكم على من لم يهتد بها بالزيغ والضلال.
ولما كانا في حكم شيء واحد في الهداية يصدق كل واحد منهما الآخر- جاء بالضمير مفرداً في قوله تعالى: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ﴾.
لمن تكون الهداية:
أما هداية الدلالة والإرشاد وحدها، فهي كما تقدم عامة. وأما هداية الدلالة والإرشاد مع التوفيق والتسديد، فهي للذين اتبعوا ما جاء من عند الله: من رسوله وكتابه، وكانوا باتباعهم لها

(١) من حديث عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، رواه البخاري في الدعوات باب ٩. ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث ١٨١ و١٨٧ و١٨٩. وأبو داود في التطوع باب ٢٦. والترمذي في الدعوات باب. ٣. وأحمد
في المسند (١/ ٢٨٤، ٣٤٣، ٣٥٢، ٣٧٣).


الصفحة التالية
Icon