جعلنا الله من المتبعين لرضوانه، الرجاعين لكتابه وسنة رسوله، الفائزين منهما بالهداية لخير غاية، بإذنه وفضله، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير.
...
٤ - الاجتماع العام للأمر الهام وارتباط الجماعة بأمر الإمام
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٢) لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦٣﴾ [النور: ٦٢ و٦٣].
(الأمر الجامع) هو الحادث الذي يتطلب الاجتماع بطبيعته، فيجمع الإمام الناس من أجله، من ذوي الرأي والمعرفة بمثله، والخبرة والتجربة فيه، من كل ما يعم نفعه أو ضرره، من أمور السلم والحرب، وشؤون الحياة والاجتماع، ليتشاوروا فيما بينهم، ويستضيء بعضهم برأي بعض.
و (الاستئذان) هو طلب الإذن من الإمام بمفارقة الاجتماع لعذر قاض بالمفارقة.
المعنى:
يأمر الله المؤمنين إذا كانوا مع رسوله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- على أمر جامع ألا يفارقوا مجلسه كلهم أو بعضهم إلاّ بإذنه. وأكد هذا الأمر بما وطأ له من ذكر الإيمان بالله ورسوله، تنبيها على أنه من مقتضاهما. وبقرنه بهما، وجعله ثالثاً لها، تعظيماً لشأنه، وتنبيهاً على ملازمته لهما ممن صدق فيهما؛ حتى كان غير المستأذنين لا إيمان لهم.
وبإعادته في الجملة الثانية، ببيان أن الذين يستأذنون هم دون غيرهم الثابتون في إيمانهم، المستمرون عليه، تعريضاً بالذين لا يستأذنون وتقبيحا لحالهم بأنهم لا ثبات لهم في الإيمان، ولا استمرار منهم على العمل به، فليسوا بالمؤمنين، ولا بالذين يؤمنون.
ثم جعل الخيار لرسوله في الإذن وعدم الإذن لهم إذا استأذنوه لبعض شأنهم، تعظيماً لأمر الاجتماع، وتعظيماً للصالح العام، وتوكيداً لحق الإمام على الجماعة لحفظ الاجتماع وتتميم الأعمال. ثم أمره أن يستغفر لهم، فقد يكون العذر دون الاضطرار، وقد يكون ما فاته من بركات الاجتماع، وحسنات المشاركة فيه بالرأي والاهتمام، وتكثير السواد- بسبب ذنب كان منهم في أمر غير الاجتماع، وأكد هذا الأمر بأنه الكثير المغفرة لعباده الدائم الرحمة بهم.