روى الإمام إبن العربي- رحمه الله- بسنده المتصل إلى سفيان بن عيينة رحمه الله، "قال: سمعت مالك بن أنس- وأتاه رجل- فقال:
يا أبا عبد الله من أين أحرم؛ قال: من ذي الحليفة (١)، من حيث أحرم رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.
فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل.
قال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل، فإني أخشى عليك الفتنة.
قال وأي فتنة في هذا؛ إنما هي أميال أزيدها.
قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؟! إني سمعت الله تعالى يقول: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ".
فليتأمل المسلمون- وخصوصاً المنتسبين إلى مذهب مالك- في فقه هذا الإمام العظيم، ووقوفه عند حدود الله، وليحذروا من عاقبة المتزيدين المتغالين.
بوارق أمل:
لقد شعر المسلمون عموماً بالبلايا والمحن التي لحقتهم، وفي أولها سيف الجور المنصب على رؤوسهم، وأدرك المصلحون منهم أن سبب ذلك هو مخالفتهم عن أمر نبيهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فأخذت صيحات الإصلاح ترتفع في جوانب العالم الإسلامي في جميع جهات المعمورة، تدعو الناس إلى معالجة أدوائهم بقطع سببها واجتثاث أصلها. وما ذلك إلاّ بالرجوع إلى ما كان عليه محمد عليه الصلاة والسلام، وما مضت عليه القرون الثلاثة المشهود لها منه بالخير في الإسلام (٢).
وقد حفظ الله علينا ذلك بما أن تمسكنا به لن نضل أبداً- كما في الحديث الصحيح- "الكتاب والسنة" (٣) وذلك هو الإسلام الصحيح الذي أنقذ الله به العالم أولاً، ولا نجاة للعالم مما هو فيه اليوم إلاّ إذا أنقذه الله به ثانياً.
(٢) جاء في الحديث من طريق جماعة من الصحابة عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» رواه البخاري في الشهادات باب ٩، وفضائل أصحاب النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - باب ١، والرقاق باب ٧، والأيمان باب١٠ و٢٧. والترمذي في الفتن باب ٤٥، والشهادات باب ٤، والمناقب باب ٥٦. وابن ماجة في الأحكام باب ٢٧. وأحمد في المسند (٣٧٨/ ١، ٤١٧، ٤٣٤، ٤٣٨، ٢٤٤٢، ٢٢٨/ ٢، ٤١٠، ٤٧٩، ٢٦٧/ ٤، ٢٧٦، ٢٧٧، ٤٢٦، ٤٢٧، ٤٣٦، ٤٤٠، ٥/ ٣٥٠).
(٣) في الموطأ (كتاب القدر، باب النهي عن القول بالقدر، حديث٣) عن مالك: أنه بلغه أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بها: كتاب الله وسنة نبيه».