رواه بهذا اللفظ مسلم ورواه البخاري وغيرهما.
وزاد الطبراني: ثم قرأ رسول الله- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾.
فارتبط الحديث بالآية بزيادة الطبراني. وبيّن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بقراءة الآية أن هذا القبول الذي يجعل لمن أحبه الله في أهل الأرض- والمراد بهم من يعرفونه منهم- هو نوع الود المذكور في الآية، وبيّن أن أهل القبول في الأرض محبوبون في أهل السماء قبل أهل الأرض، وبين أن سبب ذلك القبول هو محبة الله لهم؛ فمن أحبهم حببهم لعباده.
ولما كان سبب القبول محبة الله لهم بيّن- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن بغض الله سبب في بغض الخلق لهم، إذ ما تسبب عن أحد الضدين يتسبب عن الآخر ضده.
ولما كانت محبة الله مسببة عن الإيمان والعمل الصالح، فبغض الله مسبب عن ضدهما؛ إذ ما تسبب عنه أحد الضدين يتسبب عن ضده الضد الآخر.
وكما كان ذلك الود والقبول يكون شيئاً زائداً على ما تقتضيه أسباب الود بين الناس، كذلك تكون هذه البغضاء التي يهين الله بها ويعاقب من يشاء، زيادة على ما تقتضيه أسباب البغضاء بينهم؛ فيكون هذا الذي وضعت له البغضاء- والعياذ بالله- مبغوضاً حتى ممن لم يكن منه إليه شيء من أسباب البغض.
تبيين وتعيين:
قد يكون الأتباع والمحبون والراغبون لأهل الحق ولأهل الباطل، لأئمة الهدى ولرؤوس الضلال، لدعاة الإتباع ولدعاة الإبتداع.
ولكن أهل المحبة من الله والود والقبول من العباد، هم أهل الحق، وأئمة الهدى، ودعاة الإتباع للكتاب والسنة، وما كان عليه السلف الصالحون، لا لأنفسهم والتحزب لهم، وجلب النفع لهم، والذي يعينهم لهذه الكرامة دون غيرهم هو اتباعهم للنبي- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في سيرته ودعوته، وما كانت دعوته إلاّ للقرآن وبالقرآن، دون أن يسأل على ذلك من أجر. وهذا لأن الود والقبول عند العباد مسببان عن محبة الله للعبد، ومحبة الله لا تكون إلاّ للمتبعين للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، لقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ [آل عمران: ٣١]. فكرامة الود والقبول إنما هي للمتبعين له- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فأما غيرهم فما يكون لهم من قبول (١) عند أمثالهم، فهو فتنة وبلاء عليهم.
إرشاد:
أفادت الآية الكريمة والحديث الشريف، أن على المسلم أن يتمسك بالإيمان والعمل

(١) كانت في الأصل: "قبل" وهو خطأ طباعي.


الصفحة التالية
Icon