فمقصود الشارع من المذنبين أن يتلوا القرآن لجلاء قلوبهم.
وذلك الرأي يصرفهم عنه!
الوجه الثالث:
أن الوعيد والترهيب قد ثبتا في نسيان القرآن بعد تعلمه، وذهابه من الصدور بعد حفظه فيها: فروى أبو داود عن سعد (١).
«مَا مِنِ اِمْرِىءٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ثُمَّ يَنْسَاهُ إِلَّا لَقِيَ اللهَ أَجْذَمَ» (٢). وروى الشيخان عن عبد الله:
«اِسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ، فَإِنَّهُ أَشَدُّ تَفَصِّيًا (٣) مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ» (٤).
فمقصود الشرع دوام التلاوة لدوام الحفظ، ودفع النسيان.
وذلك الرأي أدى إلى تقليلها أو تركها الموقع في النسيان!
لوازم فاسدة لهذا الزعم:
وإلى مخالفته لمقصود الشرع بهذه الوجوه فإن له لوازم فاسدة منها:
١ - أن صلاة النافلة مرغب فيها على العموم، وهي مشتملة على قراءة القرآن، فماذا يقول أصحاب هذا الرأي؟ فهل يرغبون المذنبين- أمثالنا- عن النافلة طرداً لأصلهم؟
أم ينهون عن قراءة القرآن في النافلة، فيقولون ما لم يقله أحد؟
أم يقولون بالاقتصار على قراءة سور دون سور، فيتحكمون في الأحكام؟
٢ - ومنها: أنه قل من يسلم من مخالفة للقرآن بعمله، فإذا ذهبنا مع ذلك الرأي حرم خلق كثير من تلاوة القرآن.
وكفى بقول يؤدي إلى هذا كله رداً على نفسه.
وأما قولهم: «إن تالي القرآن يأثم بقراءته مع مخالفته». فهي دعوى لم يقيموا عليها من نص صحيح صريح من سنة أو كتاب. بل الدليل قائم على خلافها: فإن المذنب يكتب عليه ذنبه مرة

(١) يعني سعد بن عبادة رضي الله عنه.
(٢) أخرجه أبو داود في الوتر (باب ٢١، حديث ١٤٧٤).
(٣) قال أهل اللغة: التفصي: الانفصال. وهذا بمعنى الرواية الأخرى: أشد تفلتًا. والنعم: أصلها الإبل والبقر والغنم، والمراد هنا الإبل خاصة لأنها التي تعقل؛ ففي بعض روايات الحديث: «أَشَدُّ تَفَصِّيًا مِنْ صُدُورِ الرِّجَالِ مِنَ النَّعَمِ بِعُقُلِهَا».
(٤) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. أخرجه البخاري في فضائل القرآن باب ٢٣. ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث ٢٢٨ و٢٢٩. والترمذي في القرآن باب ٨. والنسائي في الافتتاح باب ٣٧. والدارمي في الرقاق باب ٣٢، وفضائل القرآن باب ٤. وأحمد في المسند (١/ ٣٨٢، ٤١٧، ٤٢٣، ٤٢٩، ٤٦٣).


الصفحة التالية
Icon