و ﴿وقب﴾ دخل في الوقب وهو النقرة في الشيء.
و ﴿النفاثات﴾ السواحر ينفثن الريق، واللفظ جمع نفاثة كثيرة النفث.
و ﴿العقد﴾ جمع عقدة بيان لعادة السواحر المعروفة، من عقد الخيوط ونفث الريق عليها.
والجامع بين الثلاثة هو اشتراكها في الخفاء: فإن الغاسق ظلام تخفى فيه الشرور، والنفاثات مبني أمرهن على الاخفاء تحييلاً وإبهاماً، والحسد داء دفين.
فالثلاثة كما ترون شرها خفي، وكل شر يخفى عمله أو يخفى أثره يجل خطبه ويعظم خطره، فيعسر التوقي منه والاحتياط له، لأنك تتَّقي ما يظهر ويستعلن، لا ما يخفى ويستتر، لا جرم كانت الثلاثة جديرة بالتخصيص.
أما نكتة الترتيب: فإن الليل ليس شراً في نفسه، ولا الشر من عمله، وإنما هو ظرف للشرور، والعلاقة بين الشيء وظرفه مكينة في النفوس قوية في الاعتبار، مسببة للحكم على أحدهما بحكم الآخر.
بخلاف النفاثات والحساد، فإن الشر من عملهما ومن وصفهما، ولانطباعهما عليه صار ذاتياً لهما، ولا شك أن الشر الذاتي أمكن من العرضي.
كما أن بين الإثنين تفاوتاً في ذاتية الشر وقوته، وعسر التوقي منه:
فالنفاثات وإن كن يتحرين إخفاء عملهن، ولكنه مما يمكن ظهوره وافتضاحه- بخلاف الحاسد فإنه يخفي شره ويبالغ فيظهر بمظهر الخير فشره أشد، والتوقي منه أعسر، ففي الترتيب بين الثلاثة ترق من الأخف إلى الأشد.
ومن جهة أخرى نجد التناسب ظاهراً بين الثلاثة: الغاسق والنفاثات والحاسد، فإن الجميع ظلام: ظلام الزمن، وظلام السحر، وظلام الحسد.
وفي تقييد الغاسق بالوقوب احتمالان كلاهما صحيح مفيد المراد:
الأول: أن وقوب الغاسق عبارة عن اعتكار الظلم وتكاثفها فكان بعض أجزائها يدخل بعضاً. والظلام يبدأ خفيفاً مشوباً بأسفار من الشفق، أو من طبيعة الأرض، ثم يشتد ويَحْلَوْلِكُ حتى يغطي على كل شيء، فتلك التغطية هي الوقوب.
والوقوب على هذا الاحتمال منظور فيه إلى ظرفه الزماني.
وفائدة القيد حينئذ، أن تلك الحالة المصورة بهذه الجملة، هي التي تقع فيها الشرور من الآدميين وغيرهم، فالطارق يطرق، والسارق يسرق، والحيات تنهش، والضواري تفترس، وظلام الليل يستر ذلك كله، ويعين عليه، ويعوق عن الاستصراخ والاستنجاد.
والعرب تقول فيما يشير إلى هذا: "اللَّيْلِ أَخْفَى لِلْوَيْلِ".