النفوس الشريرة:
والمناسبة القريبة بين السورتين هي أن النفوس الشريرة ثلاثة أقسام:
١ - قسم يصدر عنه الضرر ويعمله.
٢ - وقسم لا يريد الخير فيسعى في سلبه وانتزاعه، وهو شر من الأول.
٣ - وقسم يعمل إلى إيصال الشر إلى سلطان الجوارح، ومالك هديها، وهو المضغة التي إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله (١).
فهو يحسن له الأشياء القبيحة ويأتيه من جميع النواحي على وجه النصح وإرادة الخير.
ويزين للإنسان كل ما يرد به من القبائح، ويأتيه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله قريباً منه متصلاً بهواه، وهذا القسم الأخير هو الذي يوسوس بكلمة السوء مزينة الظاهر مغطاة القبح، حتى تستنزل صاحبها إلى الهلاك.
ولما كان هذا القسم الثالث أعظم خطراً، وأكثر شراً، وأخسر عاقبة، خصص التعوذ منه بسورة كاملة.
﴿رَبِّ النَّاسِ﴾ هو مربيهم ومعطيهم في كل مرتبة من مراتب الوجود وما يحتاجون إليه لحفظها، وهاديهم لاستعمال ما مَنَّ به عليهم فيما ينفعهم: ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾ [طه: ٥].
وأصله من رَبَّهُ يَرُبُّهُ ربًّا إذا قام على نشأته وتعهده في جميع أطواره إلى التمام والكمال، ولفظه لفظ المصدر، ولكن معناه معنى اسم الفاعل: كالعدل يراد به العادل.
و ﴿مَلِكِ النَّاسِ﴾ هو الذي يملك أمر موتهم وحياتهم، ويشرع لهم من الدين ومن الأحكام ما يوافق حياتهم الدنيوية والآخروية.
و ﴿إِلَهِ النَّاسِ﴾ هو الذي يدينون له بالعبادة والعبودية.
وبلاغة الترتيب، إنما تظهر جلية عند استعراض أطوار الوجود الإنساني.
فالأول: طور التربية والإعداد وهما من مظاهر الربوبية.
والثاني: طور القوة والتدبير وهما من مظاهر الملك.
والثالث: طور الكمال والقيام بوظائف العبودية، وهو من مظاهر الألوهية.
في الإيمان باب ٣٩، ومسلم في المساقاة حديث ١٠٧، وابن ماجة في الفتن باب ١٤، والدارمي في البيوع باب ١.