﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾.
فكل ما يحتاج إليه العباد لتحصيل السعادتين من عقائد الحق، وأخلاق الصدق، وأحكام العدل، ووجوه الإحسان.. كل هذا فصل في القرآن تفصيلا: كل فصل على غاية البيان والأحكام.
وهذا دعاء وترغيب للخلق أن يطلبوا ذلك كله من القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم في العلم والعمل، ويأخذوا منه ويهتدوا به؛ فهو الغاية التي ما وراءها غاية في الهدى والبيان.
إرادة الدنيا وإرادة الآخرة
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (١٨) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإسراء: ١٨ و١٩].
الشرح والمعنى:
كل الناس في هذه الحياة حارث وهمام، عامل ومريد، فسفيه ورشيد، وشقي وسعيد:
مريد الدنيا وجزاؤه:
منهم من يريد بأعماله هذه الدار العاجلة والحياة الدنيا، عليها قصر همه، وعلى حظوظها عقد ضميره. وجعلها وجهة قصده، ونصبها غاية سعيه، لا يرجو وراءها ثواباً، ولا يخاف عقاباً، فهو مقبل عليها بقلبه وقالبه، معرض عن غيرها بكليته، فلا يجيب داعي الله بترغيب ولا ترهيب، ولا يتقيد في سلوكه بشرائع العدل والإحسان.
فمن كانت هذه إرادته، ولهذا عمله، عجل الله له في الدنيا ما مضى في مشيئته تعالى أن يعجله له، إن كان ممن أراد التعجيل لهم، بحكم إبدال الجار والمجرور في قوله: ﴿لمن نريد﴾، من الجار والمجرور في قوله: ﴿عجلنا له﴾. فالتعجيل منه تعالى لمن يريد، لا لكل مريد.
والشيء المعجل- في قدره وجنسه ومدته- على ما يشاء الرب المعطي، لا على ما يشاء العبد المريد.
فكم من مريد للدنيا من يقصد الشيء فلا ينال إلاّ بعضه، فيضيع عليه شطر عمله، فلا في هذه الدار، ولا في تلك الدار.
وكم منهم من سعى واجتهد وانتهى بالخيبة والحرمان، فعاد- بعد النصب (١) - ولا ثمرة حصلها عاجلًا، ولا ثواباً ادخره آجلًا، وذلك هو الخسران المبين.