تركته وشركه» (١). وإشراك غيره معه صادق بالقليل والكثير، فلا فرق بينهما في الإحباط. والعامل المرائي موزور غير مشكور.
القسم الثاني:
العامل في العبادة الذي يقصد بها ثواب الآخرة وشيئاً آخر من أعراض الدنيا: كالرجل يبتغي الجهاد، وهو يريد من عرض الدنيا. وقد سئل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عن هذا، فقال: «لا أجر له». رواه أبو داوود (٢) وابن حبان.
وعلى وزانه نقول: من قصد الهجرة والزوج بامرأة معاً.
أو قصد الوضوء والتبرد، أو قصد الصوم والحمية- وإن صحت عبادته، لأن الصحة تتوقف على نية القصد، والثواب يتوقف على نية الإخلاص- لا أجر له.
هذا إذا سُوِّي ما بينهما في القصد كما هو ظاهر لفظ الحديث. وأما إذا كان الغالب هو قصد العبادة فالظاهر أنه له من الأجر بقدر ما غلب من قصده.
القسم الثالث:
العامل في العبادة الذي يكون قصده إلى ثواب الآخرة، وما عداه من منافع تلك العبادة ملحوظ له على سبيل التبع لها من حيث إنه مصلحة شرعية معتبرة في التشريع.
والأحكام الشرعية المعللة بفوائدها في الآيات والأحاديث لا تحصى كثرة ومنها في الحج [الآية: ٢٨].: ﴿ليشهدوا منافع لهم﴾ ومن منافع الحج الحركة الاقتصادية لخير تلك البقاع ومصلحة أهلها، وغزارة عمرانها؟ ولذا قال تعالى: ﴿ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم﴾ [البقرة: ١٩٨]. والفضل هنا هو الاتجار في مواسم الحج.
فكل منفعة تجلبها عبادة، أو مضرة تدفعها، فملاحظتها عند قصد العبادة لا تنافي الإخلاص، ولا تنقص من أجر العامل، وهي مثل الثواب المرتب على العمل: هي في الدنيا وهو في الآخرة، كلاهما من رحمة الله التي نرجوها بأعمالنا. ويشملها لفظ دعاء القنوت: «نرجو رحمتك» إذ هو تبارك وتعالى رحمان الدنيا والآخرة ورحيمها.
(٢) في الجهاد، باب ٢٤، حديث ٢٥١٦. ولفظه بتمامه: عن أي هريرة: «أن رجلاً قال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي غرضاً من عرض الدنيا؟ فقال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لا أجر له. فأعظم ذلك الناس وقالوا للرجلٍ: عد لرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلعلك لم تفهمه؟ فقال: يا رسول الله رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من عرض الدنيا؟ قال: لا أجر له. فقالوا للرجل: عد لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقال له الثالثة، فقال له: لا أجر له».