﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا﴾.
هذا هو أساس الدين كله، وهو الأصل الذي لا تكون النجاة ولا تقبل الأعمال إلاّ به. وما أرسل الله رسولا إلاّ داعياً إليه، ومذكراً بحججه.
وقد كانت أفضل كلمة قالها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام هي كلمة "لا إله إلاّ الله". وهي كلمته الصريحة فيه.
ولا تكاد سورة من سور القرآن تخلو من ذكره والأمر به والنهي عن ضده.
وأنت ترى أن هذه الآيات الجامعة قد جعلت بين آيتين صريحتين فيه.
﴿لا تجعل﴾ الجعل يكون عملياً كجعلت الماء مع اللبن في إناء واحد، ويكون اعتقادياً كجعلت مع صديقي صديقاً آخر. والجعل في الآية من هذا الثاني.
﴿مع الله﴾ المعية هنا أيضاً هي معية اعتقادية.
﴿إلها آخر﴾ الإله هو المعبود والعبادة نهاية الذل والخضوع مع الشعور بالضعف والافتقار وإظهار الإنقياد والامتثال ودوام التضرع والسؤال.
﴿فتقعد﴾ القعود ضد القيام، والعرب تكني بالقيام عن الجد في الأمر والعمل فيه سواء أكان العامل قائماً أو جالسا، فتقول: قام بحاجتي إذا جد وعمل فيها، ولو كان لم يمش فيها خطوة وإنما قضاها بكلمة قالها، أو خطاب أرسله. وتكني كذلك بالقعود عن الترك للعمل وانحلال العزيمة وبطلان الهمة سواء أكان الشخص واقفاً أو جالساً، فتقول: قعد زيد عن نصرة قومه إذا لم يعمل في ذلك عملاً، ولم تكن له فيه همة ولا عزيمة، ولو كان قائاً يمشي على رجليه. فالقعود في الآية بمعنى المكث كناية عن بطلان العمل وخيبة السعي وخور القلب وفراغ اليد من كل خير.
﴿مذمومًا﴾ مذكورا بالقبيح موصوفاً به.
﴿مخذولا﴾ متروكا بلا نصير مع حاجتك إليه.
فنهى الله الخلق كلهم عن أن يعتقدوا معه شريكاً في ألوهيّة، فيعبدوه معه ليعتقدوا أنه الإله وحده فيعبدوه وحده.
وبين لهم أنهم إن اعتقدوا معه شريكاً وعبدوه معه فإن عبادتهم تكون باطلة، وعملهم يكون مردوداً عليهم، وأنهم يكونون مذمومين من خالقهم، ومن كل عقل سليم من الخلق، يكونون مخذولين لا ناصر لهم: فأما الله فإنه يتركهم وما عبدوا معه، وأما معبوداتهم فإنها لا تنفعهم لأنها عاجزة مملوكة مثلهم فما لهم- قطعاً- من نصير.
والخطاب وإن كان موجهاً للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فإنه عام للمكلفين.
وسر مثل هذا الخطاب تنبيه الخلق إلى أن شرائع الله وتكاليفه عامة للرسول والمرسل إليهم،