الكتاب المبين، قَالَ تَعَالَى (وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) (١) وقال (الرَّحْمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) (٢) ومدحه بالإفصاح والبيان فقال: (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (٣) فالعربية غزت العالم غزوَ تغيير وتحويل وترشيد.
فانصراف العبد إلى كتاب اللَّه لفهمه، والكشف عما يفتح اللَّه عليه من مغاليقه، نعمةٌ ترفع صاحبها عن دنياه وتبارك له في عمره، فيصحوَ من غفلة، ويتنضر من يُبْس، ويرقّ من غِلظة، ويتلألأ بالنور يكسوه الجمال، فهو مع كل حرف يروزه، يتملاّه، يستذوقه علّه يكشف الخبيء من سره، والعصي من معناه، يشعر بفيض النعمة الإلهية تستحق كل ثناء عليه، لقد أخصب الكتاب الكريم عند نزوله القفر المجدب فأنبت للدنيا أزاهير إنسانية، فوَّاحة بالعبير، يُنضرها الندى من حسنه.
والتضمين من أنزه الفصول في العربية، فإذا تأملته عرفت منه وبه ما لحروف المعاني من أسرار يكشفها لك، ويظهر فيها مزيّة.. ترى الحرف مع فعل أو مشتق لم يألفه، فيوحشك الحرف ويبقى الفعل قلِقا، فإذا حملته على التضمين تمكّن الفعل وآنسك الحرف، فلولا مُعازّة الخاطر في هذه الحروف، ومُساورة الفكر واكتداده لكنت منها على حَرَد وعنها بمعزل وبأمر سواها في شغل.
والنظم يتكوّن من مجموعة من المفردات، تنشأ بينها علاقات، ويتم التوازن حين تنتظم المفردات في سياق هادف، يقيمها الكاتب على نمط، ويديرها على طريقة، ليُصيب بها مواقع الشعور، ويثير بها مكامن الخيال، وقد تُسبب إحدى المفردات توتراً لا يهدأ حتى تجد لها تفسيراً مريحاً في دلالة
_________
(١) طه: ١١٣.
(٢) الرحمن: ١ - ٤.
(٣) النحل: ٨٩.


الصفحة التالية
Icon