التضمين الصحيح كما جاء في الحديث: كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يتخولنا بالموعظة خشية السآمة علينا. فضمن السامة معنى المشقة فعداها بـ (على). فإن صدر هذا من جاهل باللغة كان لك أن تحكم عليه بالخطأ وإن سمعت قائلا يقول: أرجو اللَّه قضاء حاجتي. فلا جناح عليك أن تحكم عليه باللحن والخروج عن الفصحى لأن فعل الرجاء لا يتعدى إلى مفعولين إلا أن تجعل فعل (أرجو) مُشربا فعل (أسأل) بناء على أن بين الرجاء والسؤال علاقة السببية وتُدخل ذلك في باب التضمين.
فالغرض من التضمين إفراغ اللفظين إفراغا كأنَّ أحدهما سُبِك في الآخر فالمعنى لا يأتيك مُصرحا بذكره، مكشوفا عن وجهه بل مدلولا عليه بغيره، يشارفه من طريق يخفى ومسلك يدق، يتلوّح لك بعضه بالإيماء دون الإفصاح وذلك أحلى وأدمث من أن يكون مكاشفة ومُصارحة وجهَرا، عناية بما وراءه من معناه وتوصلاً إلى إدراك مطلبه الذي لا يفطن له إلا من أوتي النظر، ويستشف الغامض ويصل إلى الخفي، حتى كأنَّ الإفصاح به غير سائغ، والإعلان عنه مستوحش. والغرض من التضمين أن يكون لفظه ممطوراً، مفترًّا عن أزهاره، مُبتسما عن أنواره، يحمل في حروفه معنى، ويجر من ورائه معنى، أو يستتبع معنى، وهذا أشفى للنفس من المعنى الفذ.
والصلة بين المضمن والمضمن فيه قُرْبُ رحمٍ، تتعدى الظواهر إلى الضمائر لِتَخلُصَ إلى السرائر، فلا نرى تضمينا مقبولا صحيحا حتى يكون المعنى هو الذي تاهب لطلبه واستدعاه، وساق نحوه، وأهدى إلى مذهبه، بطريق من طرق الدلالة بمنطوقة أو مفهومه، مُوافقا لوضع اللغة، سائغاً في الاستعمال ولو على سبيل المجاز، ليزيد في قيمته ويرفع من قَدْره ويعلو في