العيون بعد أن كانت طامعة في حسنها المكتسب، وراغبة في جمالها المستفاد، وذلك عن طريق نظامها الفريد وأسلوبها المتميز (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ) قال أبو عبيدة والأخفش: (عن) زائدة وقال غيرهم: معناها (بعد).
ولا أحسن مما ذهب إليه ابن الحاجب في تضمين المخالفة معنى الحَيَدان لقد عزاها عن فضلها من ادعى بتناوبها، وجُل حُسنها هو تعديها بغير حرفها المعهود، وكيف يتأتى لشادي حُسنها أن يستشف جمالها إلا برؤيتها في عِقدها المنظوم؟ فإن فَرَطْتها من سِلكها أفْقدْتها أهم خصائصها، فإن أَبَيْتَ وعاودت، فخُذْ في غير هذه الصناعة.
فحين يقول (يشرب بها) في قوله سبحانه (يشَرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ) أي يشرب منها، فقد سلبها حلاوتها، وسر جمالها هو في طريقة عرضها وتعديها بغير حرفها، فإذا كانت الباء بمعنى من فلماذا عدل ربنا العليم في أسلوبه المعجز، وبيانه المبين من حرف إلى حرف سكت عن الجواب القائلون بتناوب الحروف - وجل المُفسرين على هذا - وذهب القائلون بالتضمين إلى أن (شرب) معنى روي وليس في هذا مَقنع لأن الرِي يكون من ظمأ، وأهل الجنة لا يظمؤون (وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) الشرب في الجنة إذاً من أجل الاستمتاع والتلذذ ولذلك جيء بالباء إيذاناً بهذا المعنى، وتجلية له، وتشوفا إليه. والسؤال الذي يفرض نفسه: لماذا عدل ربنا عن لفظ الاستمتاع إلى لفظ الشرب؟ لو قال سبحانه: عينا يستمتع بها عباد الله، لانصرف الذهن إلى إمتاع البصر في انفجار الماء من هذه العين وتدفقها وفورانها، أو إمتاع السمع بصوت تدفق الماء وخريره، أو إمتاع الجسد