فإن قيل: لو أريد هذا المعنى لكان الأليق به أداة (إلى) التي للانتهاء لا (على) التي للوجوب ألا ترى إلى قوله تعالى: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ) قيل: في أداة (على) سر لطيف وهو الإشعار بكون السالك على هذا الصراط، على هدى، وعلى حق، كما قال في حق المؤمنين: (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ) وقال لرسوله: (إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) فاللَّه هو الحق، وصراطه حق، ودينه حق، فمن استقام على صراطه فهو على الحق والهدى، فكان في (على) ما ليس في (إلى) فتأمله فإنه سر بديع. فإن قلت: فكيف يكون المؤمن مستعليا على الحق وعلى الهدى؟ قلت: لما فيه من استعلائه وعلوه بالحق والهدى، مع ثباته عليه واستقامته إليه، فكان في (على) ما يدل على علوه، وثبوته واسقامته، بخلاف الضلال والريب، فإنه يؤتى فيه بأداة (في) الدالة على انغماس صاحبه وانقماعه وتدشسه فيه (فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ) (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ).
وتأمل قوله تعالى: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). فطريق الحق تأخذ علوا صاعدة بصاحبها إلى العلي الكبير، وطريق الضلال تأخذ سفلا هاوية بسالكها إلى أسفل السافلين.
وأما مَق فسر (عليَّ) بالوجوب ففي كونه هو المراد بالآية (عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) نظر، لأنه حَذفٌ في غير موضع الدلالة بخلاف عامل الظرف إذا وقع صفة فإنه حَذْفٌ معروف مألوف، وأكثر المفسرين لم يذكر في سورة الليل


الصفحة التالية
Icon