قَالَ تَعَالَى: (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ) قال الزركشي: استعمل (أراد) في معنى مقاربة السقوط لأنه من لوازم الإرادة... ولم يرد باللفظ هذا المعنى الحقيقي الذي هو الإرادة ألبتَّةَ. وقال الزمخشري: الإرادة: المداناة والمشارفة.
وقال الآلوسي: إسناد الإرادة إلى السقوط من المجاز.
اقول: تضمن (أراد) معنى (أوشك وقارب وشارف). فجمع المعنيين الحقيقي والمجازي بالرمز والإيماء من طريق يخفى ومسلك يدق؛ لا يأتيك مصرحا بذكره مكشوفا عن وجهه، مفصحا عن غرضه. ولو أفصح وقال: جدارا يكاد يسقط أو شارف السقوط، لما كان في مساغ ما جاء عليه لأن صرف اللفظ إلى المجاز يقتضي نسخ الحقيقة، فكان حمله على المشترك اللفظي أولى، بل أوجب، إذا ثبت بقيام الدليل على أن كلا منهما مراد.
لقد منح التضمين الإرادة معنىً فوق معناها، وأرسل فيها وَهَجًا من طاقته فأزكاها متعة حين صرفها إلى المقاربة والمشارفة.
إنه التضمين وهذا من جنى ثمراته.
فالحسنُ في كل لفظ منه... ما ليس يَنفد
فبعضُه قد تبدَّى... وبعضُه يتولَّد
* * *


الصفحة التالية
Icon