تناولها علماء الأصول وأرباب البيان فقالوا: الأحدية - وهي أبلغ من واحد - معناها لا شيء غيره معه، فلا حقيقة إلا حقيقته ولا فاعل إلا هو، هذه الأحدية: عقيدة في الضمير... وتفسير للوجود... ومنهج للحياة... منهج للتوجه إليه في الرغبة والرهبة، في السراء والضراء. منهج للتلقي منه... تلقي العقيدة، والقِيم، والموازين، والشرائع، والنظم، والآداب. منهج فريد... الأرض فيه صغيرة... والحياة قصيرة... ومتاع الدنيا زهيد. علماء الأصول حرصوا على فهم المقام عند استنباط الأحكام، وما جاء في هذا الباب في فهم المعنى وتحسينه لطائف ترِق حواشيها وتلإق إلا على ذوي البصائر. إنه (أي المقام) بحر لا يُفثَج ولا يُغرضُّ.
ففهم الكلمة معزولةً عن سياقها ضرب من العبث، فلا بد من سياق يُبرز دلالتها، أما الذين وقفوا على اللفظ منفردا، فقد أخطؤوا طريق الصواب كما رأيت.
ومن وجوه الاعتراض على من عرّف الكلمة من النحاة بأنها لفظ مفرد أو لفظ وضع لمعنى مفرد: أن الكلمة في المعجم صامتة لا تنطق مُختزنة في ذاكرة المجتمع، وتتحول من الطابع المعجمي إلى السياق الاستعمالي أي من السكون إلى الحركة ومن الصمت إلى الجهر، حين تُصاغ في عبارة أي تسلك في نظام - واللغة نظام - يأخذ المتكلم من معانيها المتعددة في المعجم ما يحدده سياق الجملة أو التركيب.
فاللفظ منفرداً يختلف في معناه بعد دخوله في التركيب. ولا بد في فهم معناه، والكشف عن هُويته من اعتبار مكانه في النظم وملاءمته لجيرانه. هل يخطر معنى الاستبداد على بال في مادة (سبق) لولا أنه جاء على لسان