فاللفظ في التضمين قد يحتمل الضدين، فانظر موقع اللفظ من النص، وتأمل حاله قبل أن تحكم له أو عليه، ففي قوله تعالى: (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) ذهب العديد من المفسرين إلى أن المسح معناه الضرب والقتل، فهل يُعقل من قائد عسكري أن يُدمر آلياته العسكرية بيده؟! كرائم الخيل من أعظم وسائل الجهاد المبارك فهو يُكرمها وُيباركها بالمسح على سوقها وأعناقها كما نمسح على رأس اليتيم حبا وتعاطفا، أو لمعرفة الخيل الأصيل من سواه. فعلى المشتغلين بالدراسات المعجمية مراعاة وضع الكلمة في تعبير ما، لبيان معانيها الخفية أو المتعددة بتعدد السياقات التي يتعرض لها، والتراكيب التي ينتظم فيها.
كانت عناية النحو في الأجزاء التحليلية لمكونات التركيب أكثر من عنايته بالتركيب نفسه فعلم الدلالة السيفية المعربة عن ( Semantique) ينظر في مدلولات اللفظ مفرده وبعد تركيبه في مجموعة جمل وعبارات وما يطرأ على معناه من تغير له علاقته بالمجتمع وظروفه.
عناية النحو اليوم هي في دراسة العلاقات ممثلة في الكلمات الواردة في الجملة، والمنشئ أو الناظم وتوجهاته، فقد يُحمل اللفظ على ظاهره ويكون له في المُغيب غيره فما أوحى به معناه من باب الظن، لم تسبق إلى الأنفس ثقته، كان مردودا غير مُتقبل، ففي قوله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) ذكر أبو حيان وكثير من المفسرين أن (مِنْ) بمعنى (الباء) أي يحفظونه بأمر اللَّه وبإذنه من جميع المهالك، هذا ظاهر


الصفحة التالية
Icon