فالفعل أو مشتقه - وهو أهم جزء في التركيب اللغوي - يحتاج في تحديد معالمه إلى معرفة لزومه أو تعديته أو الحروف التي يتعدى بها، وأكاد لا أجازف بدعواي حين أقول: إن الحرف هو العصا السحرية مع الفعل تُوجهه، ويستهدي بها حيث توجه، لا يكاد يستغني عنها على مدى تنوع مدلولاته التي تُثريه أو تُغنيه، ومعاجمنا اللغوية رغم جهودها في حصر استعمالاته، فلا يزال بعضها مخبوءاً في دواوين الشعر وكتب اللغة لم تستدركه بعد.
سموّ هذه اللغة الشريفة ناتج عن صعوبتها - صعوبة الرقيّ - انفردت عن سائر لغات العالم بتعدد الحروف التي يتعدى بها الفعل فتعطيه من المعاني ما تعددت معه الحروف، حتى لتجد نقيض المعنى عند اختلاف الحرف - انصرف إليه وانصرف عنه، ورغب فيه ورغب عنه، وأخذ بيده وأخذ على يده، ولها بالشيء ولها عنه - هذا (سبق) منفرداً معزولاً يخلتف في الدلالة عنه منظوما مسلوكاً في نَضَد مخصوص، ففي الأنبياء: (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى) معنى السبق: التقدير في الأزل وهو متعدٍ بحرف. وفي الأنفال: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا) معناها: أُفلِتوا، وفي ياسين: (فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ) معناها: ابتدروا، متعدٍ بنفسه.
ثم التركيب: يوظف الكلمة في معنى تحدده القرائن المختلفة: اللفظية والحالية والمعنوية، ثم المقام وهو المرجح لمعنى دون آخر.
فلفظ (فتن) يأتي بمعنى:
١ - المعذرة: (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ)
٢ - والاختبار والامتحان: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)


الصفحة التالية
Icon