وإيحائه المتجدد. والمتتبع لهذه الحروف في كتاب اللَّه بعد إنعام الفحص عن كنهها وإلطاف النظر فيها، يراها تخرج عن معناها المألوف الذي وضعه علماء اللغة والنحو لها، وإنَّمَا طريقة عرضها تكشف عن أسرارٍ استودعها اللَّه فيها.
فليس إذاً للحرف حالٌ تخصه في نفسه، وإنما تكون حاله لأمر راجع لفعله.
أين حال الباء في قوله تعالى: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ).
من حالها في قوله تعالى: (نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ).
من حالها في قوله تعالى: (فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا).
من حالها في قوله تعالى: (يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ).
فحال هذه الباء في كل آية راجع إلى فعلها المتعدي بها، وليست لحالِ تخصها في نفسها. وأظهرُ من ذهب إلى أن الحرف علامةٌ لا معنى له: التبريزي حيث يقول: إن الحرف لا معنى له أصلاً لا آلياً ولا استقلالياً وإن إطلاق المعنى في الحرف والدلالة تسمح من باب الاضطرار في مجال التعبير، إذ ليس للحرف معنى حتى يقال: إنه مستعملٌ فيه أو يدل عليه فلفظة (مِنْ) في قولك: جئت مِن دمشق إلى المدينة المنورة، علامة على أن بداية المجيء هي من دمشق، ولفظة (إلى) علامة على كون المدينة منتهاه.
وكذلك سائر حروف المعاني آلات للحدث لا كواشف عنه، نظير كشف الأسماء عن معانيها، ومن هذا القبيل وضع الإعراب الرفع والنصب والجر علامات لأحوال مدخولها.