الخطر الداهم القريب، ولولا الباء لانصرف السؤال إلى حقيقته وهو الاستفتاء وطلب المعرفة، ولخفي عنا غرض السائل المستنجز، فقد ضم إلى السؤال طلب العذاب واستعجاله برفع العقيرة تهكما وسخرية. والتضمين تعريض بالمعنى وتلويح به وهو أحلى من التصريح وأدمث. أما من قال بتضمين الباء معنى عن فاحفظ نفسك منه ولا تسترسل إليه، ومن قال بزيادتها، فالبيان المعجز غني عن زيادتها، وإنما تنكشف البراعة عند معرفة وجه التأويل لهذه الحروف بمعونة المقام ودلالة القرائن، وأنها جاءت لتُكسب المعنى غِنى وفُشُوا، ورفعة وسموا.
* * *
قَالَ تَعَالَى: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) (١).
ذكر الجمل: اللام بمعنى على وإنَّمَا عبر بها للمشاكلة، قال أبو البقاء: وهو الصحيح لأن اللام للاختصاص، والعامل مختص بجزاء عمله حسنة وسيئة، أو بمعنى على واللام للمشاكلة مثل: (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ) و (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ). وهذه اللام تتعلق بمحذوف على أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فلها الإساءة لا لغيرها كما أشار إليه المصنف.
وقال الآلوسي: فلها أي فالإساءة عليها لما يترتب على ذلك من العقاب، فاللام بمعنى على كلما في قوله: * فخرَّ صريعا لليدين وللفم * وعبر بها لمشاكلة ما قبلها. وقال الطبري: هي بمعنى إلى، فإساءتها راجعة إليها. وقيل: إنها للاستحقاق كما في قوله تعالى: (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).