قَالَ تَعَالَى: (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيب) (١).
قال الجمل: شكِ منه أي من كتابك أي القرآن. وجوز أبو حيان
والآلوسي: أن تكون منه بمعنى فيه.
أقول: الفعل شك يتعدى بـ (في) فعداه بـ (مِن) لماذا؟ هل هم مرتابون ولنقص في الدليل؟ لا، ولكنه الهوى والحقد الدفين. إنه تلبيس الحق لإخفائه وكتمانه وتضييعه، فارتيابهم ظاهري شكلي لأنهم على يقين من الحق يشهدونه واضحا ولكنهم عن عمد وفي قصد وإصرار يختلفون فيما بينهم ليطمسوا آيات اللَّه ويحرفوها.
وهذا ديدن يهود عليهم لعنة اللَّه على مدار التاريخ. لقد جعلوا ما ينبغي أن يكون مبدأ اليقين ومنشأه، مبدأ الشك ومنشأه فحقيق بهم ألا يغفُلوا عن الحقيقة التي جاء بها رسولهم وأن تعيش في ذاكرتهم، والذي أشار إلى معنى اليقين هو حرف الجر (مِنْ) والمتعدي به فعل اليقين، فتضمَّن الشك معنى اليقين فتعدى بـ (مِن)، وحَمْل النقيض على النقيض كحَمْل النظير على النظير معروف مشهور فلذلك ساغ أن ينوب عنه، إنهم لفي يقين منه ولكنها الضلالة التي وصفهم اللَّه بها واللعنة التي حلَّت عليهم، وَوَصْفُ اليقين بأنه مريب هو من باب السخرية بهم. ذلك هو التضمين يكشف الأسرار ويهتك الأستار إن تأهبت له، ونَشفت فيه، حَليتَ به، وإن تحاميته فذلك إليك وعاقبته عليك.
* * *


الصفحة التالية
Icon