الأول: قول الراوي: (سبب نزول هذه الآية كذا).
الثاني: قول الراوي: (حدث كذا فنزل كذا أو فنزلت الآية).
وذكر حالاً أخرى جعل حكمها كحكم الأول، وهي أن يسأل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أمر فيُوحى إليه بشأنه، ويجيب بما نزل عليه بدون ذكر السبب أو الفاء الداخلة على مادة النزول.
فأما الأول وهو قوله: (سبب نزول الآية كذا) فهذا لا وجود له في الواقع فمع معاصرتي لأسباب النزول طوال مدة البحث، وكثرة تقليبي لها لم أجد سببًا واحدًا وردت فيه هذه الصيغة، كما أن الزرقاني لم يذكر مثالاً لهذا، ولا يخفى أن القواعد إنما تستمد من الأمثلة فأين هي الأمثلة هنا؟.
ولعلي أعتذر للزرقاني هنا بأنه كان يتصور وجود شيء من هذا مع عدم استحضاره للمثال حين الكتابة فسطَّر ما كان يتصور.
لكني أعجب كثيرًا ممن تابعه من المؤلفين على ذلك، إذ كان بإمكانهم البحث والتحرير قبل التسليم والتسطير.
وأما الثاني: وهو دخول الفاء على مادة النزول بعد سرد حادثة فهذا أكثر الأساليب استعمالاً في أسباب النزول، ومع هذا فلا يعني وجود هذه الصيغة أن يكون الحديث سببًا للنزول، ولديّ من الأمثلة ما يكفي لإثبات هذا.
١ - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن زيد بن ثابت - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما خرج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى أحد رجع ناس ممن خرج معه، وكان أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فرقتين، فرقة تقول: نقاتلهم، وفرقة تقول: لا نقاتلهم فنزلت: (فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا) وقال: إنها طيبة تنفي الذنوب كما تنفي النار خبث الفضة.
٢ - أخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم والنَّسَائِي عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: خرجنا مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على التماسه. وأقام الناس معه وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق


الصفحة التالية
Icon