وهذا القول حق، وقد نص عليه بعض الأئمة الأعلام قبل زمن بعيد. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقولهم: نزلت هذه الآية في كذا يراد به تارةً أنه سبب النزول، ويراد به تارةً أن ذلك داخل في الآية وإن لم يكن السبب كما تقول عنى بهذه الآية كذا). اهـ.
وقال الزركشي: (وقد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها فذكر كلامًا... حتى قال: فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع). اهـ.
وقد قيّد بعض الفضلاء كلام هذين العَلَمَين فقال: (وقول هذين الإمامين لا ينطبق إلا إذا كان المحكي من الراوي حكمًا فقهياً لا حدثا أو شخصًا نزلت في أحدهما الآية، فإن الاسم أو الحدث لا يمكن أن يقال فيه: عُني بهذه الآية كذا وكذا، وإنما يُقال نزلت في فلان أو في الحدث الفلاني.
وهذا القيد لم أرَ من سبق إليه، مع أنه واضح في كلام المتقدمين كما مضى والحمد للَّه على توفيقه). اهـ.
ثم ذكر في الحاشية أنه وجد عبارةً لابن تيمية تقارب ما ذكر من تخصيص السبب بذكر الشخص.
وإنما الغرض من نقل هذا الكلام هنا لأجل أن أُبين أن كلام شيخ الإسلام - رحمه الله - لا يدل على تخصيص السبب بذكر الشخص.
وبيان ذلك أن شيخ الإسلام قال: (الصنف الثاني): أن يذكر كلٌّ منهم من الاسم العام بعض أنواعه على سبيل التمثيل، وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه ثم ذكر أمثلة لهذا حتى قال: وقد يجيء كثيرًا من هذا الباب قولهم: هذه الآية نزلت في كذا، لا سيما إن كان المذكور شخصًا كأسباب النزول المذكورة في التفسير، ثم ذكر كلامًا قال بعده: وإذا عُرف هذا فقول أحدهم نزلت في كذا، لا ينافي قول الآخر