عباس: مالكم ولهذه الآية؟ إنما أُنزلت هذه الآية في أهل الكتاب. سألهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه.
والجواب عن هذا أن يقال: لا دلالة في الحديث على اعتبار خصوص السبب دون عموم اللفظ ولعل هذا يتبين بتقسيم القضية إلى صورتين:
الأولى: أن يفرح المرء بما أتى من فعل لا معصية فيه، وأحب أن يحمد بما لم يفعل، من غير أن يقع منه كتمان شيء أو كذب على أحد فهذا لا تتناوله الآية كما قاله ابن عبَّاسٍ لأن صاحبه لم يقع منه عمل.
غاية الأمر: أنه أحب أن يحمد بما لم يفعل، وهذه طبيعة النفس البشرية، وهذا هو الذي قصده مروان، ويدل على ذلك قوله: (لنعذبن أجمعون)، ولا يخفى أنه ليس كل الناس يكتمون ويكذبون، فتبين أن مراده ما تقدم.
الثانية: أن يفعل المرء عين ما فعل اليهود من الكذب والكتمان فهذا ما يتناوله نص الآية، ولا فرق بين أن يقع الفعل من اليهود أو من غيرهم، وهذه الصورة لم يسأل عنها مروان لأنه لا يُستغرب أن يعذَّب من هذا حاله، وإنما كان استغرابه أن يُعذَّب على فعلٍ يقع من الجميع، ولا ذنب فيه.
* * *