قال اللَّه تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩).
وقال تعالى: (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥).
وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (١٨٥).
فالذكرى تنال بالتدبر والتفكر لا بتكرار النزول، ولو كان التذكير والموعظة يستلزم التكرار لترتب على هذا أمران:
الأول: تعطيل التفكر والتدبر في كتاب اللَّه مع أنه الغاية من الإنزال كما دلت على هذا الآية السابقة.
الثاني: استمرار النزول ودوامه إلى قيام الساعة لأن حاجة الناس للتذكير والموعظة لا تنقطع، فهل كلما دعت حاجة إلى التذكير اقتضى الأمر النزول؟ هذا لا يقوله أحد، حتى وإن قال بتكرر النزول، ولعل المرء يقول القول لكن يغيب عن ذهنه لازمُه وما يترتب عليه واللَّه أعلم.
وأما قولهم: إن في تكرر النزول تعظيماً لشأن المنزّل.
فالجواب أن يقال: المنزّل لا يفتقر للتكرار حتى يكون عظيمًا بل يكفيه تعظيماً وتشريفًا أنه كلام اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - فهذا أعظم شرف للقرآن.
ولو أننا ضربنا مثلاً - وللَّه المثل الأعلى - بملِكين من ملوك الدنيا، أحدهما يُصدر الأمر بالشيء فتتم الاستجابة لأمره بشكل كامل، ومن غير إبطاء.
والآخر يفعل الشيء نفسه لكن أمره أحيانًا يواجه بالرفض، وأحيانًا بالتنفيذ الجزئي، وأحياناً بالإبطاء، فهو يضطر لفعل الشيء الواحد أن يصدر عددًا من الأوامر.
فأيُّ المَلِكين أعظم شأناً في أمره وسلطانه؟
فالجواب: بلا ريب أن الأول أعظم شأناً في نفسه وأمره مع أنه لم يكرر أمره، بخلاف الثاني فالضعف يلتف حوله ويحيط بأمره مع كونه يكرر الأوامر التي لم تغن عنه شيئاً.