الفصل الثاني
ضوابط الترجيح في أسباب النزول
الضوابط الترجيحية بمنزلة النجوم التي يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر كما قال اللَّه تعالى: (وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦)، كما أن أثرها عميق في تحديد الراجح من المرجوح، وبيان الصواب من الخطأ، ولهذا أكبَّ بعض العلماء على تحديد الضوابط المؤثرة في الترجيح، وألَّفوا لأجل ذلك المؤلفات، وصنّفوا المصنفات إما استقلالاً، وإما تبعاً وإلحاقاً، إدراكاً منهم لأهمية ذلك في تحديد المسائل وتحريرها.
ولئن كانت الضوابط مفيدة في الترجيح بين الأقوال والأسباب، فإن هذا لا يعني اطرادها في كل مسألة، فقد يتخلف هذا أحياناً إذا اقتضى الأمر ذلك ودلت عليه الدلائل من هنا وهناك كما هو الشأن فى سائر القواعد والضوابط.
كما أن الحديث عن الترجيح بين الأسباب لا يعني بالضرورة أن يوجد سببان فأكثر، فتطبيق تلك الضوابط ممكن حتى مع وجود السبب الواحد فقط، فقد يتبين من إعمال الضوابط أن الآية لم تنزل على سبب أصلاً وإنما نزلت ابتداءً، وقد يتبين أيضاً أن للآية سببًا آخر غير الذي معنا.
ومهما يكن من أمر فإن الغرض هنا هو الوصول إلى النتيجة عبر وسائل شرعية ومسالك علمية بعيداً عن هوى النفس وحظوظها.
أما اختياري لهذه الضوابط دون غيرها فلاعتقادي أن لها تأثيراً في تعيين الأسباب.
وسأجتهد في ذكر بعض الأمثلة التي تناولتها بالدراسة، إذ لا يخفى أثر المثال في ترسيخ المقال.
وسأذكر - إن شاء الله - لكل ضابط خمسة أمثلة ليتبين للناظر وفرة الأمثلة