مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا (١٥٨) فما على الرجل شيء ألا يطوف بهما، قالت عائشة: كلا، لو كان كما تقول لكانت: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما أُنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يُهلون لمناة، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله - ﷺ - عن ذلك فأنزل الله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (١٥٨) ومنها: ما ينبه المفسر إلى إدراك خصوصيات بلاغية تتبع مقتضى المقامات، فإن من أسباب النزول ما يعين على تصوير مقام الكلام.
ثم ذكر أنه تصفح أسباب النزول التي صحت أسانيدها فوجدها أقسامًا:
منها: ما هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد منها على علمه فلا بد من البحث عنه للمفسر، وهذا منه تفسير مبهمات القرآن مثل قوله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾، ونحو: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ ومثل بعض الآيات التي فيها ﴿مِنَ النَّاسِ﴾.
ومنها: ما يفيد البحث فيه زيادة تفهم في معنى الآية، وتمثيلاً لحكمها وهي مساوي لمدلولات الآيات النازلة عند حدوثها مثل قصة عويمر العجلاني الذي نزلت عليه آية اللعان، ومثل حديث كعب بن عجرة الذي نزلت عليه آية: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ... (١٩٦)﴾.
ومنها: قسم يبين مجملات، ويدفع متشابهات مثل قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (٤٤)﴾.
فإذا ظن أحد أن (من) للشرط أشكل عليه كيف يكون الجور في الحكم كفرًا، ثم إذا علم أن سبب النزول هم النصارى علم أن (من) موصولة، وعلم أن الذين تركوا الحكم بالإنجيل لا يتعجب منهم أن يكفروا بمحمد - ﷺ -.
ومنها: ما لا يبين مجملاً، ولا يؤول متشابهًا، ولكنه يبين وجه تناسب الآي بعضها مع بعض كما في قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا


الصفحة التالية
Icon