فسبب النزول هنا دفع الإشكال الذي وقع في نفس عروة حين ظن أن السعي بين الصفا والمروة ليس واجبًا فبينت له أم المؤمنين - رضي الله عنها - أن الآية إنما أُنزلت لرفع الحرج عمن امتنع من السعي بينهما، بسبب ما كانوا يفعلونه في الجاهلية، والله أعلم.
٢ - أخرج مسلم وأحمد والبخاري والترمذي والنَّسَائِي أن مروان قال: اذهب يا رافع (لبوَّابه) إلى ابن عبَّاسٍ فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبًا لنعذبن أجمعون، فقال ابن عبَّاسٍ: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما أُنزلت هذه الآية في أهل الكتاب سألهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فخرجوا قد أروه أن قد أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه.
فسبب النزول هنا بيَّن أن الأمر ليس كما ظنه مروان، بل الآية نزلت بسبب اليهود حين كتموا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما سألهم عنه، وأخبروه بغيره وفرحوا بكتمانهم إياه ما سألهم عنه، واللَّه أعلم.
٣ - أخرج البخاري وأحمد والدارمي ومسلم عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يومئذٍ الفضيخ فأمر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مناديًا ينادي، ألا إن الخمر قد حُرِّمت، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم: قد قُتل قوم وهي في بطونهم فأنزل الله: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا).
فمعنى هذه الآية أشكل على قدامة بن مظعون - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حيث فهم منها جواز شرب الخمر قال الشاطبي:
(وروي أن عمر استعمل قدامة بن مظعون على البحرين، فقدم الجارود على عمر، فقال: إن قدامة شرب فسكر. فقال عمر: من يشهد على ما تقول؟