* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسير الآية منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور، لكن منهم من تعقّبه كالطبري وابن عاشور ومنهم من سكت عنه وهم الباقون.
وقد قال الطبري معقباً: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) بمعنى: ما الغلول من صفات الأنبياء ولا يكون نبياً من غلَّ، وإنما اخترنا ذلك لأن الله - عَزَّ وَجَلَّ - أوعد عقيب قوله: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) أهلَ الغلول، فقال: (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... ) الآية والتي بعدها، فكان في وعيده عقيب ذلك أهل الغلول، الدليل الواضح على أنه إنما نهى بذلك عن الغلول، وأخبر عباده أن الغلول ليس من صفات أنبيائه بقوله: (وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) لأنه لو كان إنما نهى بذلك أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يتهموا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالغلول لعقّب ذلك بالوعيد على التهمة وسوء الظن برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لا بالوعيد على الغلول، وفي تعقيبه ذلك بالوعيد على الغلول بيان بيّن، أنه إنما عرّف المؤمنين وغيرهم من عباده أن الغلول منتف من صفة الأنبياء وأخلاقهم؛ لأن ذلك جرم عظيم والأنبياء لا تأتي مثله).
وقد أجاد وأفاد الطاهر بن عاشور حين أشار إلى أن هذا الحديث لا يصح أن يكون سبباً لنزول الآية إذ كيف تفقد القطيفة يوم بدر ولا تنزل الآية لأجل هذا إلا يوم أحد مع أن بين الغزوتين سنة وشهراً إذ كانت بدر في رمضان من السنة الثانية، وأحد في شوال من الثالثة، والآية إنما جاءت في سياق الحديث عن غزوة أحد، فهل يمكن أن يتأخر الجواب عن الحدث هذه المدة؟ هذا ما لم يقع والعلم عند اللَّه تعالى.
فإن قال قائل: إن فقد القطيفة إنما كان يوم أحد فنزلت الآية جواباً لهذا.