(فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ.. ) فالآيات في أولها وآخرها تتحدث عن التحاكم إلى الله أو الطاغوت ومن المعلوم أن وحدة اللفظ دليلُ وحدة المعنى.
الثاني: أن الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان لا يجزم بأن الآية نزلت في قصته فقد قال ابن حجر - رحمه الله -: (والراجح رواية الأكثر وأن الزبير كان لا يجزم بذلك).
ولا ريب أن تردد صاحب القصة في الجزم بنزولها يوجب لغيره التردد والريب.
الثالث: قال ابن حجر: (روى إسحاق بن راهويه في تفسيره بإسناد صحيح عن الشعبي، قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة فدعا اليهودي المنافق إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأنه علم أنه لا يقبل الرشوة، ودعا المنافقُ اليهودي إلى حكامهم لأنه علم أنهم يأخذونها فأنزل اللَّه هذه الآيات إلى قوله: (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اهـ.
وهذا اختيار مجاهد أيضًا كما رواه ابن أبي حاتم عنه.
ولا يخفى أن الشعبي ومجاهداً من كبار التابعين وقد صحبا صحابيين كبيرين فالأول قد صحب ابن مسعود في الكوفة والثاني قد صحب ابن عبَّاسٍ في مكة ولا شك أن هذه القرينة توجب لقولهما أصلاً، كيف لا وقد عرفت منزلة هذين الصحابيين في تفسير القرآن، وسموهما فيه.
فإن قيل: فلماذا حسب الزبير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن الآية نزلت فيه؟
فالجواب ما ذكره ابن عاشور في قوله: (الظاهر عندي أن الحادثتين وقعتا في زمن متقارب ونزلت الآية في شأن حادثة المنافق فظنها الزبير نزلت في حادثته مع الأنصاري) اهـ.
* النتيجة:
أن الآية لم تنزل بسبب قصة الزبير مع الأنصاري لأن الزبير لم يكن يجزم بذلك وإذا كان صاحب القصة مترددا فغيره أولى بالتردد، ولأن السياق القرآني يدور حول تحاكم المنافقين إلى الطاغوت، واعتبار السياق أولى لبعده عن الاحتمال. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon