(وروى البزار في سبب نزول هذه الآية قصة أخرى ثم ساق حديث المقداد باختصار، ثم قال: وهذه القصة يمكن الجمع بينها وبين التي قبلها ويستفاد منها تسمية القائل.
وأما حديث عبد الله بن أبي حدرد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فقال عنه: وورد في سبب نزولها عن غير ابن عبَّاسٍ شيء آخر ثم ساق الحديث وقال: وهذه عندي قصة أخرى ولا مانع أن تنزل الآية في الأمرين معاً) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الجمع بين الأدلة لا يستقيم هنا لأن الأحاديث غير متكافئة في أسانيدها فحديث عبد الله بن أبي حدرد لم يصح سنده كما تقدم.
وفي شيء من متنه مخالفة للآية، فإن اللَّه بيّن في الآية أن العلة من قتله ابتغاء عرض الحياة الدنيا بقوله: (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وفي الحديث أن محلِّماً قتله لشيء كان بينه وبينه في الجاهلية.
ثم هذا أيضاً يخالف ما ذكره ابن عبَّاسٍ في الحديث الصحيح فإنه قال: (فلحقه المسلمون)، وهذا يعني أنه ليس محلِّماً فقط هو الذي لحقه ومما يؤيد هذا من الآية أن اللَّه أتى بضمير الجمع من أولها في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) إلى آخرها بقوله: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)، وبعيد أن يأتي اللَّه بضمائر الجمع الكثيرة هذه وهو يتحدث عن واحد.
أما حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في قصة المقداد فإسناده لم يصح مرفوعاً بل الصحيح فيه أنه مرسل وقد تقدم تفصيل ذلك.
ثم هو يخالف حديث ابن عبَّاسٍ الصحيح فقد جاء فيه: (فلحقه المسلمون)، وفي الحديث الآخر وبقي رجل لم يبرح، فإذا كان قد بقي فكيف يُلحق؟
ثم ضمائر الجمع الكثيرة هذه يقال فيها ما قيل في قصة محلّم.
وبناءً على ما تقدم يكون الراجح في سبب نزولها حديث ابن عبَّاسٍ الثابت في الصحيحين وغيرهما لعدم وجود المعارض الصحيح الصريح.


الصفحة التالية
Icon