رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد أن كان الأئمة يجمعون في مؤلفاتهم بين الصحيح والحسن والضعيف وكان الحامل له على هذا العمل قوله: كنت عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم مختصراً لصحيح سنة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: فوقع في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح.
وقد مكث في تأليفه ست عشرة سنة، وانتقاه من ستمائة ألف حديث.
ولئن كان الكتاب حديثياً فإنه مع هذا لم يخل من الفوائد الفقهية، فاستخرج بفهمه من المتون معاني كثيرة فرقها في أبواب كتابه، ففقهه يتجلى في تراجمه، ولذلك قيل: (فقه البخاري في تراجمه). وقد قسم البخاري كتابه إلى كتب والكتب إلى أبواب، فعدة كتبه (٩٧) كتاباً وعدة أبوابه (٣٤٥٠) باباً.
ومما ينبغي أن يعلم أن النسخ كما اختلفت في تقديم بعض الكتب والأبواب على بعض اختلفت في اعتبار بعض الكتب أبواباً وبعض الأبواب كتباً كما يعلم ذلك من مراجعة متن البخاري المطبوع وكتب الشروح، كما أنه يقع في كثير من أبوابه أحاديث كثيرة، وفي بعضها حديث واحد، وفي بعضها آية، وبعضها لا شيء فيه ألبتة، وقد ادعى بعضهم أنه صنع ذلك عمداً، وغرضه أن يبين أنه لم يصح عنده حديث بشرطه في المعنى الذي ترجم عليه.
وقد جرى البخاري في صحيحه على تكراره لبعض الأحاديث، وتقطيعه لها، واختصارها في الأبواب المختلفة.
فأما تكراره فلمعانٍ وفوائد متعددة منها:
١ - أنه يخرج الحديث عن صحابي ثم يورده عن صحابي آخر ليخرج الحديث عن حد الغرابة.
٢ - تكثير الطرق بأن يورده في كل باب من طريق غير الطريق الأولى فيزداد الحديث صحة وقوة.
٣ - إزالة الشبهة عن ناقليها وذلك في الأحاديث التي يرويها بعض الرواة تامة وبعضهم مختصرة.
ومنها: أحاديث تعارض فيها الوصل والإرسال، ورجح عنده الوصل فاعتمده وأورد المرسل لينبه على عدم تأثيره.
ومنها: أحاديث تعارض فيها الوقف والرفع والحكم فيها كذلك.


الصفحة التالية
Icon