أقوال فيمن تناولته الآية بالذم فمنهم من ذهب إلى أن المراد بلعام وهو رجل من بني إسرائيل ومنهم من ذهب إلى أنه أمية بن أبي الصلت ومنهم من ذهب إلى غير ذلك من الأقوال، وجميع الأقوال المتقدمة ليس عليها، دليل من كتاب اللَّه أو سنة رسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بل هي من أحاديث بني إسرائيل التي لم نؤمر بتصديقها أو تكذيبها.
وإذا كان الأمر كذلك فلا بد من النظر والتأمل في سياق الآيات لعلها تكشف المقصود فسياق الآيات قبل هذه الآية يتحدث عن بني إسرائيل إلى قوله تعالى: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ.. ) وهذا يؤيد القول بأن الرجل المذموم منهم لأن السياق عادة مترابط، وإذا قلنا بهذا فلن يكون فعل الرجل سببًا لنزول الآية لأن الحدث قد سبق النزول بقرون وأزمان بعيدة وحينئذٍ ينتفي النزول المصطلح عليه.
وإذا نظرنا إلى قوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا... ) وجدنا أن القصد من ضرب الأمثال هي العظة والعبرة، واعتبار الإنسان بمن يعرف ويشاهد أبلغ في العظة والخوف، وهذا يؤيد القول بأنه أمية بن أبي الصلت لأنهم يعرفونه ويشاهدونه بخلاف بلعم الذي لا يعرفون إلا اسمه.
ويؤيد هذا أن سياق الآيات بعد هذه الآية يتحدث عن المشركين مما يشعر بأن المعنيَّ في الآية منهم.
وعندي - واللَّه أعلم - أن القول الأول أصح، وهو أن الآية تتحدث عن رجل من الأمم السالفة لقوله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا) فاللَّه يتحدث عن رجل آتاه آيات، فكيف لأمية بن أبي الصلت أن تأتيه الآيات؟
فإن قيل: إن أُمية كان يتحنث ببقايا دين إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -.
فالجواب: أن الأديان قد لحقها من التحريف والتبديل شيء كثير مما يجعل الحكم عليها بأنها من آيات الله شيء بعيد، ولو كان ما بين يديه من الآيات حقًا لانتفع بها كما انتفع بها ورقة بن نوفل - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قبله حين تنصر.


الصفحة التالية
Icon