في أنه القائل ذلك وإن كان هذا القول نسب إلى جماعة فلعله بدأ به ورضي الباقون فنُسب إليهم. وقد روى الطبراني من طريق ابن عبَّاسٍ أن القائل ذلك هو النضر بن الحارث قال: فأنزل اللَّه تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ) وكذا قال مجاهد وعطاء والسدي ولا ينافي ذلك ما في الصحيح لاحتمال أن يكونا قالاه ولكن نسبته إلى أبي جهل) اهـ.
وبعد ذكر أقوال العلماء لا بد من تحرير أمرين:
الأول: من هو القائل؟ الثاني: هل هذه المقالة هي سبب نزول الآية الكريمة؟ أما الأول: فقد صح الحديث عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بأنه أبو جهل، لكن يعكر على هذا أن أنساً أنصاري لا يعرف أبا جهل ولم يسمع منه ثم هو صغير السن وقتها، وهذا ربما هو الذي حمل أكثر المفسرين على القول بأنه النضر بن الحارث لأن الذي قال هذا ابن عبَّاسٍ وهو وإن كان صغيراً وقتها لكن الله علمه التأويل وميّزه به، ثم ابن عبَّاسٍ أيضاً يسمع هذا الكلام من أبيه وغيره وهو من أهل مكة، وأهل البلد عادةً أدرى بما فيه، ومما يؤيد هذا أن الآية التي سبقتها قالوا إنها تتحدث عن النضر بن الحارث فهو الذي قال: (لو نشاء لقلنا مثل هذا) وإذا كان هذا قوله فليكن ما بعده قولاً له أيضاً وهذا لا يمنع أن يكون أبو جهل قال هذا تلقفا لمقالة النضر فسمعه من سمعه فظن أنه قوله أصلاً.
أما الثاني: وهو هل هذا الدعاء سبب نزول الآية؟
فالجواب: أن المعروف عند المفسرين أن سورة الأنفال نزلت ببدر فقد أخرج البخاري عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عبَّاسٍ: سورة الأنفال. قال: نزلت في بدر.
قال ابن عاشور: (وقد اتفق رجال الأثر كلهم على أنها نزلت في غزوة


الصفحة التالية
Icon