وبين سياق القرآن من جانب آخر أن يقال: إنه لما وقعت قضية التظاهر على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في شأن الجارية، غضب عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لرسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فهدد نساءه قائلا: إن انتهيتن أو ليبدلن اللَّه رسوله خيرًا منكن، أو: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن.
فنزلت الآية تهديدًا للمتظاهرتين، وتحذيرًا لسائر نسائه أن يفعلن مثله، وموافقة لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
بقي أن يقال: ما الجواب عن حديث ابن عبَّاسٍ عند مسلم، ونزلت هذه الآية آية التخيير: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ).
فالجواب: أن هذه الآية ليست آية التخيير، فآية التخيير هي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) الآية، وقد تقدمت دراستها.
وربما أراد أمير المؤمنين بالتخيير هنا الكف عن أذى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمظاهرة عليه أو طلاقهن إن لم يمتثلن، لكن يعكر على هذا أن حديث عمر إنما جاء في قضية الإيلاء واعتزالهن شهرًا، بينما المظاهرة عليه وقعت من عائشة وحفصة فقط وليس لنسائه البواقي فيها صلة فكيف آلى منهن في أمر لا صلة لهن فيه.
والظاهر - والله أعلم - أن ذكر قوله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ) في سياق قضية الإيلاء لا يصح بدليل أنها سميت آية التخيير، وليست كذلك.
* النتيجة:
أن الآية جاءت في سياق آيات التقريع والتحذير من المظاهرة على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وموافقة لعمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في دفاعه عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيما ناله من أذى نسائه وذلك لصحة سند الحديث وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن واللَّه أعلم.