وقد قال القرطبي: (وقيل إن قوماً من المسلمين كانوا يتنسكون بستر أبدانهم ولا يكشفونها تحت السماء، فبين الله تعالى أن التنسك ما اشتملت عليه قلوبهم من معتقد، وأظهروه من قول وعمل) اهـ.
وقال ابن عاشور بعد ذكر السبب: (وهذا التفسير لا يناسب موقع الآية ولا اتساق الضمائر. فلعل مراد ابن عبَّاسٍ أن الآية تنطبق على صنيع هؤلاء وليس فعلهم هو سبب نزولها) اهـ.
وما تقدم حق فإن الآية لم تنزل بسبب فعل هؤلاء المسلمين لأن السياق في غيرهم وهذا هو القول الأول.
القول الثاني: ما ذهب إليه بعض المفسرين من أن الآية نزلت بسبب فعل المنافقين ولهذا قال الطبري: (قال بعضهم: ذلك كان من فعل بعض المنافقين، كان إذا مر برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غطى وجهه وثنى ظهره) اهـ.
وقال القرطبي: (وقيل: قال المنافقون إذا أغلقنا أبوابنا واستغشينا ثيابنا وثنينا صدورنا على عداوة محمد فمن يعلم بنا؟ فنزلت الآية) اهـ.
وقال الشنقيطي: (وقيل: نزلت في بعض المنافقين، كان إذا مر بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثنى صدره وظهره، وطوطأ رأسه وغطى وجهه لكيلا يراه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيدعوه إلى الإيمان. حكي معناه عن عبد الله بن شداد) اهـ.
وهذا القول يعكر عليه أمران:
الأول: أن السورة مكية، والنفاق إنما كان بالمدينة، وليس معهوداً الحديث عن المنافقين في العهد المكي، ثم إن النفاق لم يظهر إلا بعد الهجرة، والسورة نزلت قبلها، فكيف تكون أحداث المدينة سبباً لنزول الآيات المكية؟
الثاني: أن الضمير في قوله: (لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) يعود على اللَّه وليس على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما ذكره عامة المفسرين.
قال الطبري: (إن الهاء في قوله: (منه) عائدة على اسم اللَّه، ولم يجر لمحمد ذكر قبلُ، فيجعل من ذكره - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهي في سياق الخبر عن اللَّه فإذا كان ذلك كذلك كانت بأن تكون من ذكر اللَّه أولى) اهـ.