القول غريب لأن هذه الآية مكية، وعبد اللَّه بن سلام إنما أسلم في أول مقدم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المدينة) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وقيل أُريد به عبد الله بن سلام الذي آمن بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أول مقدمه المدينة، ويبعده أن السورة مكية كما تقدم) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الآية لم تنزل بسبب عبد اللَّه بن سلام - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - للأسباب التالية:
١ - أن الحديث لا يصح الاحتجاج به على السببية للعلة التي في سنده.
٢ - أن الآية مكية، وقصة ابن سلام إنما كانت بعد الهجرة فكيف يكون هذا سبباً لنزول هذه الآية.
٣ - أنه على فرض صحة الحديث فإن هذا من قبيل التفسير وليس من باب سبب النزول فأين الحدث الذي ادُّعي أنه سبب نزولها؟ هذا لا يوجد.
فالآية تتحدث عن المشركين، وابن سلام من أهل الكتاب.
وأما قوله: (نزلت فيَّ) فلو صح الحديث لكان المراد أن الآية بعمومها تتناوله لأنه من أهل الكتاب، وأهل الكتاب الصادقون يشهدون أنه رسول من عند الله.
٤ - أن أكثر المفسرين أبوا أن يكون ابن سلام هو المقصود، والكثرة قرينة من قرائن الترجيح إذا احتفت بغيرها.
فإن قال قائل: ما المراد بقوله: (ومن عنده علم الكتاب)؟
فالجواب: قال ابن كثير: (والصحيح في هذا أن (وَمَن عِندَهُ) اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ونعته في كتبهم المتقدمة من بشارات الأنبياء به كما قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ)، وقال تعالى: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ)، وأمثال ذلك مما فيه من الأخبار عن علماء بني إسرائيل أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة). اهـ.