إتقان ما حفظ قديماً إتقاناً يفوق الحديث، أفكان يخفى على ابن مسعود بعد هذا قوله تعالى:
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ | ) أنها نزلت بسبب سؤال قريش. |
٢ - أن ابن مسعود تلقف من الفم الشريف بضعاً وسبعين سورة أي ما يجاوز ثلثي سور القرآن.
إذا أضفت هذا إلى قوله: ولقد علم أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أني من أعلمهم بكتاب الله. فاجتمع العلم والحفظ والتميز والصحبة في حقه - رضي الله عنه - أفيمكن أن يقدم قول غيره على قوله مع كل هذا؟
٣ - أنه يقسم وهو صادق بارٌّ بدون قسم أنه ما أُنزلت سورة من كتاب اللَّه إلا وهو يعلم أين نزلت؟ أي هل هي في مكة أو في المدينة؟ هل هي قبل الهجرة أم بعد الهجرة؟
ويقسم أنه يعلم فيما أُنزلت؟ في جواب المشركين أو اليهود أو النصارى؟
ويؤكد هذا كله بأنه لو يعلم أحداً أعلم بكتاب اللَّه منه تبلغه الإبل لركب إليه.
فهذه العبارات القوية، والجمل الصادقة الواثقة منه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تنادي أهل التفسير خصوصًا والمشتغلين بالقرآن عموماً أن لكم مراجع علميةً فلا تتجاوزوها وحدوداً فلا تعتدوها.
وإذا أردنا المقارنة بين الحديثين تبين ما يلي:
١ - أن حديث ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - صحيح الإسناد لا مطعن فيه بوجه من الوجوه قد روي في أصح كتابين بعد كتاب اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -، وليس الأمر كذلك في حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فكيف إذا كان حديث ابن عبَّاسٍ قد اختلف في وصله وإرساله.
٢ - أن ابن مسعود كان بصحبة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زمن القصة، وليس الأمر كذلك بالنسبة لابن عبَّاسٍ، وقد قيل: ليس الشاهد كالغائب.
٣ - أن حديث ابن مسعود تضمن تفصيلاً خلا منه حديث ابن عبَّاسٍ وفيه: فقام ساعة ينظر فعرفت أنه يُوحى إليه فتأخرت عنه حتى صعد الوحى، والتفصيل دليل على الضبط والإتقان، والعلم التام بما حدث.