* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد الطبري وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير هذا الحديث عند تفسيرها ومعه غيره من الأقوال.
وقال البغوي: (قال المفسرون: كان مشركو أهل مكة يؤذون أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يزالون محزونين من بين مضروب ومشجوج، ويشكون ذلك إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيقول لهم: اصبروا فإني لم أُومر بالقتال حتى هاجر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأنزل الله - عَزَّ وَجَلَّ - هذه الآية) اهـ.
وقال السعدي: (كان المسلمون في أول الإسلام ممنوعين من قتال الكفار، ومأمورين بالصبر عليهم، لحكمة إلهية، فلما هاجروا إلى المدينة وأُوذوا وحصل لهم منعة وقوة أذن لهم بالقتال كما قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ) يفهم منه أنهم كانوا قبل ممنوعين فأذن اللَّه لهم بقتال الذين يقاتلونهم) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة أذى شديداً فذكر كلامًا حتى قال: فلما هاجر نزلت هذه الآية بعد بيعة العقبة إذنًا لهم بالتهيؤ للدفاع عن أنفسهم ولم يكن قتال قبل ذلك كما يؤذن به قوله تعالى عقب هذا: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ) اهـ.
وبما تقدم من أقوال العلماء لم يتبين لي أن الحديث سبب لنزول الآية الكريمة، حتى من الذين ذكروا الحديث.
وإنما مرادهم أن الآية نزلت بالإذن لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه بقتال من ظلمهم، بصدهم عن دينهم، وإخراجهم من ديارهم.