والأمراض والشدائد فما خضعوا له ولا ذلوا (وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) أي ما يبتهلون إليه بالدعاء متضرعين له، ليكشف عنهم ذلك العذاب لشدة قسوة قلوبهم وبعدهم من الاتعاظ، ولو كانوا متصفين بما يستوجب ذلك من إصابة عذاب اللَّه لهم) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الآية لم تنزل بسبب قول أبي سفيان، بل نزلت تتحدث عن حال المشركين، مع دعوة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتكذيبهم بها وإصرارهم على ذلك حتى وإن أصابتهم الضراء كما قال تعالى: (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).
ولعل مما يؤيد أن الحديث ليس سببًا للنزول أن قول أبي سفيان للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العلهز، لا يشكل حدثًا أو علةً للنزول، وإن كان قوله يوافق قول اللَّه: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ).
غاية ما فيه إن صح أن الآية نزلت بعد قوله، أن يكون هذا من باب التصديق لشكواه كما يأتي في بعض الأحاديث فأنزل اللَّه تصديق ذلك.
ومما يدل على انتفاء السببية ما روى البخاري عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان إذا قال: سمع اللَّه لمن حمده، في الركعة الآخرة من صلاة العشاء قنت: (اللهم أنج عياش بن أبي ربيعة، اللهم أنج الوليد بن الوليد، اللهم أنج سلمة بن هشام، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف).
وجه الدلالة من الحديث: أن الدعاء كان بالمدينة بدليل دعائه بنجاة المستضعفين من المؤمنين الذين كانوا في مكة.
وفي الحديث أنه قال: (اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) وهذا الدعاء هو سبب العقوبة.
وسورة المؤمنون مكية بالاتفاق.